مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ميراث الولد من أبيه وأمه

          ░5▒ باب ميراث الولد من أبيه وأمه
          وقال زيد بن ثابت.. إلى آخره.
          فيه حديث ابن عباس: عن النبي صلعم قال: ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) الحديث.
          أثر زيد أخرجه الإمام يزيد بن هارون في ((فرائضه)): بسنده عنه وقول يزيد هذا هو قول الجماعة في البنت، إلا من يقول بالرد، وكذا في الاثنين فأكثر إلا من يقول بالرد، وإلا ابن عباس، فإنه كان يجعل للبنتين النصف كما سلف.
          قوله: (وإن كان معهن ذكر)، يريد: إن كان مع البنات أخ لهن وكان معهم غيرهم ممن له فرض مسمى، ولذلك قال: (شركهم)، ولم يقل: شركهن؛ لأنه أراد الابن والبنات، و(شركهم) بكسر الراء. يقال: شركت الرجل في الميراث والبيع: أشركه، والاسم الشرك. يقال ذلك: مات الرجل عن زوج وأب أو جد وابن وبنات، أعطي الأولون فرائضهم؛ لأنه لا يحجب واحد منهم بالبنتين، فما بقي بين الذكر والبنات للذكر مثل حظ الأنثيين، فهذا يفسر هذا الباب، وهو تأويل قوله ◙: ((فما بقي فهو لأولى رجل ذكر)) أي: أعطوا كل ذي فرض فرضه، وما بقي فلمن لا فرض له؛ لأنهم عصبة، والبنات مع أخيهن لا فرض لهن معه وهن معه عصبة من أجله.
          وأما قوله: (فلأولى رجل ذكر) يريد: إذا كان في الذكور من هو أولى بصاحبه بقرب أو ببطن، وأما إذا استويا بالتعدد وأدلوا بالآباء والأمهات معاً كالإخوة وشبههم، فلم يقصدوا بهذا الحديث؛ لأنه ليس في البنين من هو أولى من غيره؛ لأنهم قد استووا في المنزلة، ولا يجوز أن يقال: أولى وهم سواء، فلم يرد البنين بهذا الحديث، وإنما أراد غيرهم؛ لأنهم قد استووا في المنزلة على ما يأتي.
          قوله: (بدئ بمن شركهم) إنما يصح هذا إذا لم تضق الفريضة، وأما إذا ضاقت فلا يبدأ / بأحد قبل صاحبه؛ لأن القول يعمهم.
          قوله: (ذكر) للتأكيد؛ لأن الرجل لا يكون إلا ذكراً كقوله: ابن لبون ذكر، ولقوله تعالى: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر:27]، وقوله: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:196].
          قال والدي ⌂:
          (الفرائض) جمع: الفريضة من الفرض.
          و(هو التقدير) أي: الأنصباء المقدرة في كتاب الله تعالى للورثة وهي ستة النصف ونصفه ونصف نصفه والثلثان ونصف ونصف نصفه.
          قوله: (محمد بن المكندر) بفاعل الانكدار بالمهملة والراء، و(فأتاني) في بعضها: فأتياني، و(أغمي) بلفظ المجهول، و(الوضوء) بفتح الواو على المشهور، و(آية الفرائض) أي: يوصيكم الله، وفي بعض الروايات أنها نزلت في حق سعد بن أبي وقاص ولا منافاة لاحتمال أن بعضها نزل في هذا وبعضها في ذلك أو كانا في وقت واحد.
          فإن قلت: فيه أن يثبط الوحي ولا يحكم بالاجتهاد؟ قلت: لا يلزم من عدم اجتهاده في هذه المسألة عدم اجتهاده مطلقاً أو كان يجتهد بعد اليأس عن الوحي أو حيث كان ما يقيس عليه أو لم يكن من المسائل التعبدية، وفيه عيادة المريض والمشي فيها والتبرك بآثار الصالحين وطهارة الماء المستعمل وظهور بركة أثر رسول الله صلعم.
          قوله: (عقبة) بضم المهملة وسكون القاف ابن عامر الجهني والي مصر، و(قبل الظانين) أي: قبل اندراس العلم والعلماء وحدوث الذين لا يعلمون شيئاً ويتكلمون بمقتضى ظنونهم الفاسدة.
          قوله: (إياكم والظن) فإن قلت: المجتهد مأمور بمتابعته والمكلفون مأمورون بمتابعته أيضاً في المشتبهات والطهارات ونحو ذلك؟ قلت: التحذير عنه إنما هو فيما يجب فيه القطع كالاعتقاديات، والأظهر أن المراد به ظن السوء بالمسلمين لا ما يتعلق بالأحكام.
          قوله: (أكذب) فإن قلت: الكذب لا يقبل الزيادة والنقصان؟ قلت: معناه الظن أكثر كذباً من سائر الأحاديث.
          فإن قلت: الظن ليس حديثاً؟ قلت: هو حديث نفساني ومعناه الحديث الذي منشأه الظن أكثر كذباً من غيره.
          الخطابي: أي الظن منشأ أكثر الكذب.
          قوله: (ولا تجسسوا) بالجيم هو ما تطلبه لغيرك وبالحاء ما تطلبه لنفسك، و(لا تدابروا) أي: لا تقاطعوا ولا تهاجروا، مر في كتاب النكاح.
          فإن قلت: أين دلالته على الترجمة؟ قلت: قال شارح التراجم: الغالب في الفرائض البعيد وحسم مواد الرأي في أصولها، فالمراد التحريض على تعلمها المخلص من مجال الظنون، وقال بعضهم(1): وجه المناسبة أنه حث على تعليم العلم ومن العلم الفرائض.
          أقول: ويحتمل أن يقال لما كان عباد الله كلهم إخواناً لا بد من تعليم الفرائض ليعلم الأخ الوارث من غيره.
          قوله: (فدك) بفتح الفاء والمهملة موضع على مرحلتين من المدينة كان النبي صلعم صالح أهله على نصف أرضه وكان خالصاً له، وأما خيبر فقد افتتحها عنوة وكان خمسها له لكنه لما كان ◙ لا يستأثر بهما، بل ينفق حاصلهما على أهله وعلى المصالح العامة، و(لا نورث) بفتح الراء والمعنى صحيح أيضاً على الكسر.
          فإن قلت: قال تعالى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم:6] وقال: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل:16]؟ قلت: في غير المال.
          فإن قلت: كلمة إنما للحصر في الجزء الأخير / وهاهنا لا يصح إذ معناه لا يأكلون إلا من هذا المال والمقصود العكس، وهو أنه ليس لهم من هذا المال إلا الأكل إذ الباقي بعد نفقتهم كان للمصالح؟ قلت: الأكل إما حقيقة وإما بمعنى الأخذ والتصرف فمن للتبعيض أي: لا يأخذون إلا بعض هذ المال وهو مقدار النفقة ولا يأكلون إلا بعضه، وأما الحكمة في أن متروكات الأنبياء ‰ صدقات فلعلها أن لا يؤمن أن يكون في الورثة من يتمنى موته فيهلك، أو لأنهم كالآباء للأمة فمالهم لكل أولادهم يعني: المصالح العامة وهو معنى الصدقة.
          قوله: (فهجرته) أي: انقبضت عن لقائه لا الهجران المحرم من ترك السلام ونحوه، وهي قد ماتت قريباً من ذلك بستة أشهر بل أقل منها، و(إسماعيل بن أبان) بفتح الهمزة وخفة الموحدة وبالنون.
          قوله: (عقيل) بالضم، و(مالك بن أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو وبالمهملة (ابن الحدثان) بفتح المهملتين وبالمثلثة، و(محمد بن جبير) مصغر ضد الكسر ابن مطعم بفاعل الإطعام.
          قال الزهري: وكان محمد ذكر لي من حديث مالك فانطلقت إلى مالك حتى أسمع منه بلا واسطة.
          و(يرفأ) بفتح التحتانية وسكون الراء وبالفاء مهموزاً وغير مهموز علم حاجب عمر ☺، و(في عثمان) أي: هل لك رغبة في دخولهم عليك، و(أنشدكم) بضم الشين؛ أي: أسألكم بالله ويريد نفسه ونفس سائر الأنبياء وهو جمع التعظيم ولم يعطه غيره حيث خصص الفيء كله أو جله برسول الله صلعم وقيل أي حيث حلل الغنيمة له ولم تحل لسائر الأنبياء.
          و(خاصة) في بعضها خالصة، و(ما احتازها) بالمهملة والزاي؛ ما جمعها لنفسه دونكم، و(استأثر) أي: استبد وتفرد (وبثها) أي: نشرها وفرقها عليكم، و(هذا المال) أي: هذا المقدار الذي تطلبان حصتكما منه، و(مجعل مال الله) أي: ما هو في جهة مصالح المسلمين.
          قوله: (فقلت أنا ولي رسول الله) وفي بعضها ولي ولي رسول الله، و(كلمتكما واحدة) أي: أنتما متفقان لا نزاع بينكما، و(بذلك) أي: بأن تعملا فيه كما عمل رسول الله صلعم وعمل أبو بكر ☺ فيها فدفعتها إليكما بهذا الوجه فاليوم جئتماني وتسألان مني قضاء غير ذلك.
          الخطابي: هذه القضية مشكلة لأنهما إذا كانا قد أخذا هذه الصدقة من عمر على الشريطة فما الذي بدا لهما بعد حتى تخاصما فالجواب أنه كان يشق عليهما الشركة فطلبا أن يقسم بينهما ليشتغل كل واحد منهما بالتدبير والتصرف فيما يصير إليه فمنعهما عمر ☺ القسم لئلا يجري عليهما اسم الملك لأن القسمة إنما تقع في الأملاك وبتطاول الزمان يظن به الملكية مر الحديث في الجهاد في باب الخمس.
          قوله: (عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام، و(عبدان) بفتح المهملة وسكون الموحدة، و(أبو سلمة) بفتحتين، و(وفاء) أي: ما يفي بدينه وقضاء دين الميت المعسر كان من خصائصه وذلك كان من خالص ماله وقيل من بيت المال.
          وفيه أنه قائم بمصالح الأمة حيًّا وميتاً وولي أمرهم في الحالين.
          الزركشي:
          قوله: (فلأولى رجل ذكر) أي: لأقرب رجل من العصبة، والولي: القريب هنا، وإنما أكد ((بذكر)) لينبه على أنه لا يعصب أخته(2).
          وقال السهيلي: هو عندي على التأكيد لأن متعلق الحكم الذكورة، والرجل قد يراد به معنى النجدة والقوة في الأمور، وحكى سيبويه: ((مررت برجل رجل أبوه))؛ فلهذا احتاج الكلام لزيادة توكيده، وأهل الفرائض: ذو السهام الذين يرثون سهماناً معلومة.
          (ومن ترك كلا) أي: عيالاً.
          (أو ضياعا) بفتح الضاد، أي: عيالاً وسبق تجويز الكسر فيه.
          انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (ما تركنا صدقة) ورث أباه مالاً وورثه منه وعنه ترثه بالكسر فيهما / .
          والميراث ما استحق من تركة الميت فديته بنسب أو بسبب والإرث مثله والميراث مثله.
          أقول: وهذا الحديث مما يشتغل به الرافضة وذلك أن الحديث ما تركنا صدقة بالرفع يعني: الذي تركناه صدقة لا إرث، ويؤيده قوله ◙: ((نحن معاشر الأنبياء لا نورث)) الحديث، وقالت: إنما الرواية بالنصب يعني ما تركناه صدقة بل إرثاً وغرضهم أن يبينوا فدك لفاطمة وقصة تخاصم علي والعباس إلى أبي بكر في ذلك معروف في كتب الحديث.
          أقول: وقد فعلت النصارى نحواً من فعل الرافضة فكفرت وذلك أن الله قال لعيسى بن مريم إني ولدتك من عذراء بتول فحذفت النصارى التشديد وقالت ولدتك فقالوا عيسى ابن الله فأولئك نصبوا وتركوا الرفع فانخفضوا، والنصارى خففت فشدد عليهم العذاب بذلك.
          ومثل ذلك فعلت اليهود ذلك أن الله قال لهم: {ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ [نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ]. فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة:58-59] كما هو مذكور في كتب التفسير والحديث فقالوا حنطة حبة في شعرة فزادوا حرفاً فنقص إيمانهم وكفروا بتبديل ما أمروا به.
          أقول: قيل إن أول ما طلع أبو جعفر المنصور المنبر قام إليه رجل من العلويين وعلى رأسه المصحف فقال يا أمير المؤمنين: اقض بيني وبين من ظلمني بكتاب الله فقال من ظلمك؟ قال: أبو بكر منعنا فاطمة فدك قال المنصور: فمن ولي بعده؟ قال: عمر قال فما فعل قال: كما فعل أبو بكر قال: فمن ولي بعد عمر؟ قال: عثمان قال: فما فعل عثمان؟ قال: كما فعل عمر، قال: فمن ولي بعد عثمان قال علي قال فما فعل؟ قال: فسكت العلوي فقال المنصور: لولا أنه أول مقام قمته لأخذت الذي فيه عيناك ومضى في خطبته.


[1] في هامش المخطوط: ((هو مغلطاي)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: قوله أولى رجل ذكر أي: أقرب رجل مأخوذ من الولي بإسكان اللام وهو القرب وليس المراد بأولى هنا أحق بخلاف قولهم الرجل أولى بما له لأنه لو حمل هنا على أحق لخلا عن الفائدة لأنا لا ندري من الأحق، وقوله رجل ذكر تنبيهاً على سبب استحقاقه وهو المذكورة التي هي سبب العصوبة وسبب الترجيح في الإرث ولهذا جعل حظه كحظ الأنثيين وحكمته أن الرجال تلحقهم أمور كثيرة كالقيام بالقتال والضيفان وغير ذلك)).