مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من ادعى إلى غير أبيه

          ░29▒ باب من ادعى إلى غير أبيه، وهو يعلم أنه غير أبيه
          فيه حديث سعد: سمعت رسول الله صلعم يقول: ((من ادعى إلى غير أبيه)) الحديث.
          وحديث أبي هريرة، عن النبي صلعم قال: ((لا ترغبوا عن آبائكم)).
          وقد سلفا: الأول في المغازي، والثاني في أخبار الأنبياء.
          فإن قلت: فما معنى هذا وقد انتسب بعض الأخيار إلى غير أبيه كالمقداد بن الأسود، وإنما هو ابن عمرو، ومنهم من يدعى إلى غير مولاه الذي أعتقه كسالم مولى أبي حذيفة، وإنما هو مولى امرأة من الأنصار.
          قيل: لا يدخل هذا في معنى ما ذكر، / وذلك أن الجاهلية كانوا لا يستنكرون أن يتبنى الرجل منهم غير أبيه الذي خرج من صلبه فينسب إليه، ولا أن يتولى من أعتقه غيره فينسب ولاؤه إليه، ولم يزل ذلك أيضاً في أول الإسلام حتى نزلت: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ} [الأحزاب:4]، ونزلت: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب:5]، فنسب كل واحد منهم إلى أبيه ومن لم يعرف له أب ولا نسب، عرف مولاه الذي أعتقه وألحق بولائه منه، غير أنه غلب على بعضهم النسب الذي كان يدعى به قبل الإسلام، فكان المعروف لأحدهم إذا أراد تعريفه بأشهر نسبه عرفه به من غير انتحال المعروف به، ولا تحول به عن نسبه وأبوه الذي هو أبوه حقيقة رغبة عنه، فلم تلحقهم بذلك نقيصة، وإنما لعن الشارع المتبرئ من أبيه والمدعي غير نسبه، فمن فعل ذلك فقد ركب من الإثم عظيماً، وكذلك المنتمي إلى غير مواليه.
          فإن قلت: فهل يقال للراغب عن الانتماء إلى غير أبيه ومواليه كافر بالله، كما روي عن الصديق أنه قال: كفر بالله ادعى نسب لا يعرف، وروي عن عمر أنه قال: كان مما يقرأ في القرآن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم.
          قيل: ليس معناه الكفر الذي يستحق عليه الخلود في النار، وإنما هو لحق أبيه ومواليه، كقوله ◙ في النساء: ((يكفرن العشير)) والكفر في لغة العرب: التغطية للشيء والستر له كقوله:
          في ليلة كفر النجوم غمامها
          فكأنه تغطية منه على حق أبيه فيمن جعله له والداً، لا أن من فعل ذلك كافر بالله حلال الدم.