مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ميراث المرأة والزوج مع الولد وغيره

          ░11▒ باب ميراث المرأة والزوج مع الولد وغيره
          فيه حديث أبي هريرة أنه قال: قضى رسول الله في جنين امرأة.. الحديث.
          والغرة: الخيار، قال أبو عمرو: معناها الأبيض فلا يؤخذ فيها الأسود، وقال مالك: الحمران أحب إلي من السودان.
          قال الأبهري: يعني البيض، فإن لم يكن عبيد تلك البلدة بيضاً كان من السودان، وقد كان للغرة أجل معروف في الجاهلية لمن لم يبلغ لشرفه أنه تؤدى ديته كاملة.
          وعبارة ابن التين: الغرة: المملوك ذكراً كان أو أنثى، وغرة عبد أو وليدة بالتنوين، وعبد بالرفع على البدل وروي بغير تنوين وخفض عبد بالإضافة.
          وقوله: (أو وليدة) معطوف على (عبد) ففيه الوجهان.
          وقال ابن التين: الغرة منونة في الحديث، ثم فسرها، وليست الغرة مضافة إلى العبد ولا إلى الأمة. قال مالك: ويكون من أوسط عبيد تلك البلدة، إن كان أكثرهم الحمران فمن أوسطهم، وإن كان السودان فمن أوسطهم، وقال مالك: هي عبد أو ولدة. وكذا ذكره (خ) في الديات كما سيأتي. ولفظ (أو) قيل: يحتمل الشك من الراوي، والظاهر أنها للتنويع، وكأنه عبر عن الجسم كله بالغرة.
          قوله: (وإن العقل على عصبتها) دليل أن دية الجنين تحملها العاقلة، وهي رواية أبي الفرج عن مالك؛ لأنها دية شخص كدية النصراني والمجوسي، وقال الإسماعيلي: قرأه العامة على الإضافة ويقرأ بالتنوين والذي في ((المدونة)) أن ديته في مال الجاني؛ لأنه أقل من ثلث الدية.
          وهذا الحديث ذكره (خ) أيضاً في الديات كما ستعلمه، ومن غريب ما وقع في هذا الحديث بعد قوله (أو أمة): (بغل أو حمار)، أخرجها (د) وهي معلولة.
          وفي رواية لابن أبي شيبة من حديث عطاء مرسلاً: (أو بغل) فقط. وأخرى: (أو فرس) من حديث هشام عن أبيه، وقال الإسماعيلي [قال] عروة: الفرس غرة.
          وقال ابن سيرين: يجزئ مائة شاة. وفي بعض طرق أبي داود: خمسمائة شاة. وهو وهم، وصوابه: مائة شاة، كما نبه عليه (د).
          وفي ((مسند الحارث ابن أبي أسامة)) من حديث حمل بن مالك: أو عشر من الإبل أو مائة شاة.
          ومن الغريب فيما حكاه القرطبي أن شرذمة شذت فقالت: لا شيء في الجنين، وهي محجوجة بالنصوص وإجماع الصحابة، وذكره (خ) في الديات بلفظ: / اقتتلت امرأتان من هذيل يقال: إن الضاربة يقال لها: أم عفيف بنت مسروج، والمضروبة مليكة بنت عويم، وقيل: عويمر، براء، ذكره أبو عمر. والقائل: أنغرم من لا شرب ولا أكل.. إلى آخره، حمل بالحاء المهملة بن مالك بن النابغة. ووقع لعبد الغني: العلاء بن مسروج، ولا تخالف؛ لأن العاقلة كانوا غير واحد فيصدق على أن كل واحد قاله. وفي (م): فقال رجل من عصبة القاتلة.
          وقال الخطيب: إحداهما: مليكة، والأخرى: غطيفة، ويقال: أم غطيف. وروي أن إحداهما أم عفيف، والأخرى: أم مكلف. وروى أبو موسى المديني في ((الصحابة)) أن حمل بن مالك هذا توفي زمن رسول الله، وجد مقتولاً، قتلته امرأته اسمها: أثيلة، وأنه ◙ أهدر دمه.
          وذكر (خ) هناك رواية أخرى أن المرأة المضروبة من بني لحيان. ولا تخالف بينهما، فإن لحيان بكسر اللام، وقيل: بفتحها بطن من هذيل، وهو لحيان بن هذيل بن مدركة. قال الجوهري: لحيان: أبو قبيلة، وضبطه بكسر اللام، وفي رواية: هذيلة وعامرية، وفي إسناده ابن أبي فروة، وهو ضعيف، وظاهرهما التعارض، وفي الصحيح أن إحداهما كانت ضرة الأخرى.
          وفي رواية من طريق مجالد: وكل منهما تحت زوج، ولا منافاة أيضاً؛ لاحتمال إرادة كونهما ليستا عزبتين. وجاء أيضاً أنها ضربتها بعمود فسطاط، وجاء: فحذفتها، وجاء: قذفت إحداهما الأخرى بحجر. ولا تخالف؛ لاحتمال أن يكون الفعل تكرر.
          وروى وكيع عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبي المليح الهذلي، قال: كان تحت حمل بن مالك امرأتان: امرأة من بني سعد، وامرأة من بني لحيان، فرمت السعدية اللحيانية فقتلتها وأسقطت غلاماً، فقضى ◙ في الجنين بغرة، فقال عويمر أحد من قضي عليهم بالغرة: يا رسول الله: لا إبل لي، قال: ((فعشرون ومائة من الشاء ليس فيها عوراء ولا فارض ولا عضباء)) قال: يا رسول الله، فأعني بها في صدقة بني لحيان، فقال ◙ لرجل: ((فأعنه بها)).
          وروى عبد الرزاق، عن أبي جابر البياضي وهو واهٍ عن سعيد بن المسيب، عن رسول الله صلعم في جنين يقتل في بطن المرأة بغرة: في الذكر غلام، وفي الأنثى جارية.
          فصل
          فيه أن شبه العمد تحمله العاقلة، وهو قول الشافعي والجمهور، وفي رواية صحيحة للبيهقي: وقضى أن تقتل المرأة بالمرأة.
          واختلف على حمل في حديثه هذا، فروى شعبة، عن قتادة، عن أبي المليح الهذلي، عن حمل بن مالك قال: كانت لي امرأتان فرجمت إحداهما الأخرى بحجر فأصابتها فقتلتها وهي حامل، فألقت جنينها وماتت، فقضى ◙ بالدية على العاقلة، وقضى في الجنين بغرة عبد أو أمة، أو مائة من الشاء أو عشرين من الإبل.
          فجعل الطحاوي حديث حمل الأعرابي مختلفاً فيه، فكان بمنزلة ما لم يرد فيه شيء، وحديث حمل هذا ألزم الدارقطني الشيخين تخريجه لصحة الطريق إليه، قال: وثبت ما روى أبو هريرة والمغيرة، قال: وفي حكمه في الجنين بغرة، ولم يحكم فيه بكفارة حجة لأبي حنيفة ومالك على الشافعي في إيجابها.
          قلت: لا فالكفارة على الأصل، ولم يختلف الحديث عن أبي هريرة في ذلك إلا من قصه، فلم يذكر دية المرأة، ولذلك لم يختلف في ذلك أيضاً في حديث المغيرة.
          ومن الأحاديث الباطلة التي نبه أبو حاتم عليها حديث أبي هريرة مرفوعاً: في السقط غرة، قال أبو حاتم: باطل.
          قال ابن عبد البر: جمهور الناس على أن الميراث في هذه الصورة للورثة، والعقل على العصبة، ولم تختلف الروايات عن رسول الله / أنه قضى في الجنين يسقط ميتاً بضرب بطن أمه فنبه حين رمته غرة، هذا ما لم يختلف فيه أحد.
          قال: وأجمع العلماء على أن الغرة واجبة في الجنين يسقط من بطن أمه ميتاً وهي حية في حين سقوطه، وأن الذكر والأنثى في ذلك سواء في كل واحد منهما الغرة.
          واختلف على من تجب أعني: الغرة في ذلك، فقالت طائفة منهم مالك والحسن بن حي: هي في مال الجاني مع الكفارة، وهو قول الحسن والشعبي، وروي ذلك عن عمر، وهو قول إبراهيم وعطاء والحكم.
          وقال آخرون: هي على العاقلة، وممن قاله الثوري والنخعي وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم، وهو قول إبراهيم أيضاً وابن سيرين، ومن حجتهم جعل الغرة الذي فيه: وجعل الغرة على عاقلة المرأة. قال ابن عبد البر: وهو نص ثابت صحيح في موضع الخلاف يجب الحكم به، ولما كانت دية المرأة مضروبة على العاقلة، كان الجنين أحرى بذلك في القياس والنظر.
          فإن لم تلقه وماتت وهو في جوفها لم يخرج فلا شيء فيه، وهذا أيضاً إجماع.
          واختلف في قيمة الغرة، فقال مالك: تقوم بخمسين ديناراً أو بستمائة درهم نصف عشر دية الحر المسلم الذكر، وعشر دية أمه الحرة، وهو قول الزهري وربيعة وسائر أهل المدينة.
          وقال أبو حنيفة وأصحابه وسائر الكوفيين: فيها خمسمائة درهم، وهو قول إبراهيم والشعبي؛ لأن دية المرأة عندهم خمسة آلاف درهم على ما روي عن عمر: أنه جعل الدية على أهل الورق عشرة آلاف، وهو مذهب ابن مسعود.
          وقال مغيرة: خمسون ديناراً، وقال الشافعي: سن الغرة سبع سنين أو ثمان، وليس عليه أن يقبلها معيبة؛ لأنها لا تستغني بنفسها دون هذا السن، ولا يفرق بينها وبين أمها إلا في هذا السن وأعلى، وقال داود: كل ما وقع عليه اسم غرة.
          واختلف في صفة الجنين الذي تجب فيه الغرة: ما هو؟ فقال مالك: ما طرحته من مضغة أو علقة، أو ما يعلم أنه ولد ففيه الغرة؛ فإن سقط ولم يستهل ففيه غرة، وسواء تحرك أو عطس ففيه الغرة أبداً حتى يستهل صارخاً ففيه الدية كاملة.
          وقال الشافعي: لا شيء فيه حتى يتبين من خلقه شيء، فإن علمت حياته بحركة وبعطاس، أو باستهلال، أو بغير ذلك بما يستيقن به حياته، ثم مات ففيه الدية.
          قال ابن عبد البر: وهو قول سائر الفقهاء، قال: وجماعة فقهاء الأمصار يقولون في المرأة إذا ماتت من ضربتها ثم خرج الجنين ميتاً بعد موتها: إنه لا يحكم فيه بشيء، وأنه هدر إلا الليث وداود، فإنهما قالا: فيه الغرة، وسواء رمته قبل موته أو بعده، المعتبر حياة أمه في وقت ضربها لا غير.
          وأجمع الفقهاء على أن الجنين إذا خرج ثم مات وكانت فيه الدية أن فيه الكفارة معها. قال مالك: بقسامة، وقال أبو حنيفة: بدونها.
          واختلف في الكفارة إذا خرج ميتاً، فقال مالك: فيه الغرة والكفارة، لأنه مرة قال فيمن ضرب بطناً فألقت جنينها: هو عمد في الجنين خطأ في الأم، ومرة قال: هو عمد في الأم خطأ في الجنين، وقال أبو حنيفة والشافعي: فيه الغرة ولا كفارة، وهو قول داود.
          واختلف في كيفية ميراث الغرة عن الجنين، فقال مالك والشافعي وأصحابهما: الغرة موروثة عن الجنين على كتاب الله تعالى؛ لأنها دية، وفي ((المصنف)) عن الشعبي: هي لأمه أو لأقرب الناس منه، وفي راوية: سئل عن رجل ضرب بطن امرأة فأسقطت، قال: عليه غرة، يرثها وترثه.
          وقال أبو حنيفة وأصحابه: الغرة للأم ليس لأحد معها فيها شيء، وليست دية، / وإنما هي بمنزلة جناية جني عليها بقطع عضو من أعضائها؛ لأنه لم يعتبر فيها الذكر والأنثى كالديات، فدل على أن ذلك كالعضو، ولهذا كانت ذكاة الشاة ذكاة لما في بطنها من الأجنة، ولولا ذلك كانت ميتة(1)، وقول أهل الظاهر في هذا كقول أبي حنيفة، قال داود: الغرة لم يملكها الجنين فتورث عنه.
          قال ابن عبد البر: يورد عليه دية المقتول خطأ، فإنه لم يملكها، وتورث عنه، وكان ابن هرمز يقول: ديته لأبويه خاصة؛ للذكر مثل حظ الأنثيين، من كان منهما حيًّا كان ذلك له، وإن كان أحدهما ميتاً كانت للباقي منهما أبا كان أو أمًّا، لا يرث الإخوة شيئاً.
          وقد اختلف في المولود لا يستهل صارخاً إلا أنه حين سقط تحرك أو عطس ونحو ذلك، فقال بعضهم: لا يصلى عليه، ولا يورث إلا أن يستهل صارخاً، وممن قاله مالك وأصحابه.
          وقال آخرون: كل ما عرفت به حياته فهو كالاستهلال صارخاً، ويرث ويورث، ويصلى عليه إذا استوقنت حياته بأي شيء كان من ذلك كله، وهو قول الشافعي والكوفي وأصحابهما.
          قوله: (كيف أغرم من لا شرب..) إلى آخره، استدل به قوم على كراهية السجع في الكلام، وأجاب عنه آخرون بأنه إنما كرهه هنا؛ لأنه كلام اعترض به قائله على الشارع اعتراض منكر، ولا يحل لمسلم أن يفعله، وإنما ترك الشارع التغليظ في هذا الإنكار؛ لأنه كان أعرابيًّا لا علم له بالكتاب، وتلك شيمته أن يعرض عن الجاهلين، ولا ينتقم لنفسه.
          وفي قوله: (إنما هذا من إخوان الكهان) دليل على أنهم كانوا يسجعون أو كان غالباً فيهم، وهذا قول معروف يغني عن الاستشهاد عليه.
          والجنين اسم لما يجن في بطن المرأة؛ أي: يستتر، قال ابن سيده: جن الشيء يجنه جنًّا، وأجنه: ستره، وكل شيء ستر عنك فقد جن عنك، وجمع الجنين: أجنة وأجن بإظهار التضعيف، فائدة: الجنين أيضاً: الكفر والقبر.
          قال ابن عبد البر: وسئل مالك عن جنين اليهودية أو النصرانية يطرح، قال: أنا أرى فيه عشر دية أمه.
          قال: وهو قول الشافعي، وأما أبو حنيفة هو كجنين المسلمة سواء، وهو قول الأوزاعي(2).
          واختلف في الجنين يخرج من بطن أمه ميتاً، وقد ماتت من ضرب بطنها، فقال مالك والشافعي وأصحابهما: لا شيء فيه من غرة ولا غيرها إذا ألقته بعد موتها ميتاً، وقال ربيعة والليث: فيه الغرة، روي ذلك عن الزهري.
          وقد أجمعوا أيضاً لو ماتت من الضرب ولم تلق الجنين أنه لا شيء فيه.
          وكذلك أجمعوا: أنه لو ضرب بطن امرأة ميتة، فألقت جنيناً ميتاً أنه لا شيء فيه.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: ليس مذهب أبي حنيفة أن ذكاة الشاة ذكاة ما في بطنها. ينظر)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: وإنما أبو حنيفة في مسائل كثيرة يساوي بين المسلم والكافر في القصاص وهذه المسألة وغيرهما)).