مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب إثم من تبرأ من مواليه

          ░21▒ باب إثم من تبرأ من مواليه
          فيه حديث إبراهيم التيمي عن أبيه، قال: قال علي ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله، غير هذه الصحيفة.. الحديث.
          وحديث ابن عمر السالف أيضاً: نهى عن بيع الولاء وعن هبته.
          دليل أنه لا يجوز للمولى التبري من ولاء مواليه، وأن من تبرأ منه وأنكره كان كمن باعه أو وهبه في الإثم.
          فإن قلت: التقييد بغير إذن مواليه يؤذن جوازه بإذنهم، وهو قول عطاء فيما ذكره عنه عبد الرزاق مستدلاً بهذا الحديث أنه / إذا أذن الرجل لمولاه أن يوالي من شاء جاز وهو موافق لما روي عن ميمونة أم المؤمنين أنها وهبت ولاء مواليها للعباس بن عبد المطلب، وهم كذلك إلى اليوم ولاؤهم لهم، وقد سلف في باب بيع الولاء وهبته من كتاب المدبر.
          وفي المصنف: سئل النخعي عن رجل أعتق رجلاً فانطلق المعتق فوالى غيره، فقال: ليس له ذلك إلا أن يهبه المعتق.
          قلت: جماعة الفقهاء لا يجيزون ذلك، لأنه ◙ قال: ((الولاء لمن أعتق)) ونهى عن بيع الولاء وعن هبته، فإذا جاز لسيده أن يشترط ذلك له، وأن يأذن له أن يوالي من شاء فتلك الهبة التي نهى الشارع عنها. رواه ابن وهب.
          فإن قلت: فما تأويل حديث علي إذن؟ قلت: يحتمل أن يكون منسوخاً بنهيه عن بيع الولاء وعن هبته، ويحتمل أن يكون تأويله كتأويل قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء:31] والإجماع قائم على النهي عن قتلهم مطلقاً، فكذا ما نحن فيه، ولقوله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ} [النساء:23]، والإجماع قائم على حرمتها وإن لم يربيها في حجره، فكذا لا يكون ترك إذن الموالي في موالاة غيرهم شرطاً في وجوب لعنه متول غير متواليه، بل اللعنة متوجهة إليهم في توليهم غيرهم بإذنهم وبغير إذنهم؛ لعموم نهيه عن بيع الولاء وعن هبته.
          وفيه أنه لا يجوز أن يكتب المولى: فلان ابن فلان. وهو مولاه حتى يقول: فلان مولى فلان، وجائز أن ينتسب إلى نسبه؛ لأنه انتماء إليه؛ لأن ((الولاء لحمة كلحمة النسب)).
          ومن تبرأ من مواليه لم تجز شهادته، وعليه التوبة والاستغفار؛ لأن الشارع قد لعنه، وكل من لعنه فهو فاسق.
          وفيه: جواز لعنة أهل الفسق من المسلمين، ومعنى اللعن في اللغة؛ الإبعاد عن الخير.
          وسلف تفسير الصرف والعدل في آخر كتاب الحج.
          و(عير) بفتح العين المهملة: جبل بالمدينة وهو مصروف، ويجوز تركه إذا أردت البقعة.
          قوله: (فمن أخفر مسلما) أي: نقض عهده وعقده، وخفرته: كنت له خفيراً يمنعه، وأخفرته أيضاً.
          قوله: (فإذا فيها أشياء) هي جمع شيء وهو لا ينصرف، واختلف في تعليله، فقال الخليل: أصله فعلاء، جمع على غير واحده، كالشعراء جمع على غير واحده؛ لأن الفاعل لا يجمع على فعلى، ثم استثقلوا الهمزتين في آخره، فقلبوا الأولى إلى أول الكلمة فقالوا: أشياء، فصار تقديره أفعاء، وقال الأخفش: (هو أفعلة)، حذفت الهمزة التي بين الياء والألف للتخفيف وبحث معه المازني وأصاب.
          وقال الكسائي: تركوا صرفها لكثرة استعمالها؛ لأنها شبهت بفعلاء، ويعارض هذا بأن لا يصرف أسماء، وقال الفراء: أصل شيء شيي فجمع على أفعلاء كأهيناء، ثم خفف فقيل: شيء مثل هين ولين، وقالوا: أشياء فحذفوا الهمزة الأولى، وهذا القول يدخل عليه ألا يجمع على أشاوى.
          قال والدي ⌂:
          (باب {يَسْتَفْتُونَك}).
          قوله: (إسرائيل) يروي عن جده أبي إسحاق السبيعي، و(البراء) هو ابن عازب، و(الكلالة) الميت الذي لا والد ولا ولد له، وقد سلف تفسيرها.
          فإن قلت: تقدم في البقرة أن آخر آية نزلت آية الربا؟ قلت: الراوي في الموضعين لم ينقل عن رسول الله صلعم بل قال ثمة ابن عباس عن ظنه.
          قوله: (محمود) هو ابن غيلان بفتح المعجمة وإسكان التحتانية، و(عبيد الله) هو ابن موسى روى عنه (خ) في الحديث السابق بدون الواسطة، و(أبو حصين) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية عثمان.
          قوله: (لموالي العصبة) الإضافة للبيان نحو شجر الأراك؛ أي: الموالي الذين هم العصبة.
          فإن قلت: قد يكون لأصحاب الفروض؟ قلت: هم مقدمون على العصبة فإذا كان للأبعد فبالطريق الأولى يكون للأقرب أيضاً.
          و(الكل) العيال.
          و(الضياع) بفتح الضاد / مصدر بمعنى الضائع كالطفل الذي لا شيء له فأنا ناصره (فلأدعي) بلفظ أمر الغائب المجهول، وفي بعضها بسكون اللام والقياس أن لا تثبت الألف؛ لأنه مجزوم ولعله لغة ومثل قوله:
ألم يأتيك والأخبار تنمى                     بما لاقت لبون بني زياد
          قوله: (أمية) بضم الهمزة وخفة الميم وشدة التحتانية ابن بسطام بفتح الموحدة وكسرها البصري، و(روح) بفتح الراء ابن القاسم.
          قوله: (لأولى رجل) فإن قلت: العصبة قد تكون غير ذكر؟ قلت: العصبة عند الإطلاق محمول على العصبة بنفسه، وهو كل ذكر يدلي بنفسه ليس بينه وبين الميت أنثى وهو الأصل في العصوبة.
          قوله: (أبو أسامة) هو حماد، و(إدريس) هو ابن يزيد من الزيادة الأودي بالواو.
          و(طلحة) بن مصرف بكسر الراء المشددة وبالفاء.
          فإن قلت: (المهاجري) ما هذه النسبة فيه؟ قلت: للمبالغة نحو الأحمر والأحمري، إذ لا تفاوت بينهما إلا بالمبالغة أو زيدت ياء النسبة فيه للمشاكلة.
          فإن قلت: أين العائد إلى اسم كان؟ قلت: وضع المهاجري مكانه واللازم في مثله الارتباط بينهما سواء كان بالضمير أو بغيره.
          فإن قلت: تقدم في سورة النساء بالعكس قال يرث المهاجري الأنصاري؟ قلت: المقصود منهما بيان إثبات الوراثة في الجملة.
          فإن قلت: وفيه أمر آخر عكس ذلك وهو أنه قال ثمة هو ولكل جعلنا والمنسوخ والذين عاقدت والمفهوم من هنا عكسه؟ قلت: فاعل نسختها أنه جعلنا والذين عقدت منصوب على العناية أي: أعني والذين عاقدت.
          قوله: (الملاعنة) بلفظ المفعول، و(يحيى بن قزعة) بالقاف والزاي والمهملة المفتوحات وألحق الولد بالمرأة حتى يجري التوارث بينهما ولا يرث من الملاعنة.
          قوله: (عتبة) بضم المهملة وإسكان الفوقانية وبالموحدة ابن أبي وقاص، و(عهد إلى أخيه) أي: أوصى إليه عند موته، و(الوليدة) الأمة وابنها اسمه عبد الرحمن، و(زمعة) قال هو أخي، و(للعاهر) أي: للزاني (الحجر) أي: الخيبة والحرمان إذ لو أريد الرجم لما صدق كليًّا، إذ ليس كل زانٍ مرجوماً.
          و(سودة) بفتح المهملتين أم المؤمنين، أمرها بالاحتجاب من ابن الوليدة المدعى تورعاً واحتياطاً مر الحديث في العتق وغيره.
          قوله: (محمد بن زياد) بتخفيف التحتانية الجمحي البصري الألهاني بفتح الهمزة وسكون اللام الحمصي.
          قوله: (حفص) بالمهملتين، و(الحكم) بفتحتين (ابن عتيبة) مصغر عتبة الدار، و(بريرة) بفتح الموحدة، و(أهدي) بلفظ المجهول.
          فإن قلت: أين ذكر ميراث اللقيط؟ قلت: هو مما ترجم عليه ولم يتفق له إلحاق الحديث به.
          قوله: (السائبة) أي: المهملة كالعبد يعتق على أن لا ولاء لأحد عليه وكالبعير يترك لا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من الماء والكلأ، و(قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وبالمهملة، و(هزيل) مصغراً، و(عبد الله) ابن مسعود، واختصر[ه] (خ) وقصته أنه جاء رجل إلى عبد الله فقال: إني أعتقت عبداً لي وجعلته سائبة فمات وترك مالاً ولم يدع وارثاً فقال عبد الله: إن أهل الإسلام لا يسيبون وإنما كان أهل الجاهلية يسيبون وأنت ولي نعمته فلك ميراثه.
          قوله: (اشترط أهلها) يعني: يبيعونها بشرط أن يكون الولاء لهم، و(خيرت) بلفظ المجهول أي: لما عتقت خيرت بين فسخ نكاحها واختيار نفسها وإمضاء النكاح واختيار الزوج، واسمُ زوجها مغيث بضم الميم وبالمعجمة المكسورة وبالمثلثة.
          فإن قلت: ما وجه مناسبته بالترجمة؟ قلت: لما كان الولاء للمعتق استوى السائبة وغيرها مر الحديث أكثر من عشرين مرة.
          وقال (خ): قول الحكم في كون زوجها حرًّا مرسل / وقول الأسود فيه أيضاً منقطع والأصح قول ابن عباس أنه عبد.
          فإن قلت: ما الفرق بين المرسل والمنقطع؟ قلت: اختلف فيهما والمشهور أن المرسل قول غير الصحابي قال رسول الله، و(المنقطع) هو أن يسقط من الإسناد رجل أو يذكر فيه رجل مبهم وقيل: المنقطع مثل المرسل وهو كل ما لا يتصل إسناده غير أن المرسل أكثر ما يطلق على ما رواه التابعي عن رسول الله صلعم، قال الخطيب: المنقطع ما روي عن التابعي فمن دونه موقوفاً عليه من قوله أو فعله.
          قوله: (جرير) بفتح الجيم، و(إبراهيم التيمي) بفتح الفوقانية وسكون التحتانية ابن يزيد من الزيادة، و(غير هذه الصحيفة) حال أو هو استثناء آخر وحرف العطف مقدر كما قال الشافعي، قال: التحيات المباركات الصلوات تقديره والصلوات، و(من الجراحات) أي: أحكام الجراحات، و(أسنان إبل) الديات.
          قوله: (عير) بفتح المهملة وسكون التحتانية وبالراء جبل بالمدينة.
          القاضي عياض: وأما (ثور) أي: بلفظ الحيوان المشهور فمنهم من كنى عنه بلفظ كذا، ومنهم من ترك مكانه بياضاً لأنهم اعتقدوا أن ذكر ثور خطأ، إذ ليس في المدينة موضع يسمى ثوراً. وقال بعضهم: الصحيح بدله أحد أي عير إلى أحد وقيل: يحتمل أن ثوراً كان اسماً لجبل هناك إما أحد وإما غيره فخفي اسمه.
          و(أوى) القصر في اللازم والمد في المتعدي أشهر، و(محدثا) بفتح الدال؛ أي: الرأي المحدث في أمر الدين وبكسرها أي: صاحبه الذي أحدثه أي: الذي جاء ببدعة في الدين، و(الصرف) الفريضة، و(العدل) النافلة وقيل بالعكس وقيل: الصرف التوبة والعدل الفدية، والمراد باللعنة البعد عن الجنة دار الرحمة في أول الأمر مطلقاً.
          قوله: (والى) أي: اتخذهم أولياء له ولفظ (بغير إذن مواليه) ليس لتقييد الحكم، إنما هو إيراد الغلام على الغالب، قيل: هو للتأكيد لأنه إذا استأذنهم في ذلك منعوه.
          وفيه حرمة انتماء الإنسان إلى غير أبيه وانتماء العتيق إلى غير معتقه لما فيه من كفران النعمة وتضييع الحقوق وقطع الرحم.
          قوله: (ذمة) أي: العهد والأمان يعني: أمان المسلم للكافر صحيح والمسلمون كنفس واحدة فيه، و(أدناهم) أي مثل المرأة والعبد فإذا أمن أحدهم حربيًّا لا يجوز لأحد أن ينقض ذمته، و(من أخفر) بالمعجمة والفاء؛ أي: نقض عهده مر في الحج.
          قوله: (بيع الولاء) بفتح الواو وبالمد، وهو حق إرث المعتق من العتيق وذلك لأنه غير مقدور التسليم ونحوه، انتهى كلام والدي ⌂.
          أقول:
          قوله: (كلا) الكل بالفتح الثقل من كلا بتكليف والكل العيال.
          و(الضياع) بالفتح العيال وأصله مصدر ضاع فسمي العيال بالمصدر كما يقول مات وترك فقراً أي: فقراء وإن كسرت الضاد كان جمع ضائع كجائع وجياع.
          و(اللعان) أن يرمي الرجل امرأته بالزنا ولا بينة له بذلك فيتلاعنا كما ذكر الله تعالى في كتابه العزيز، وقضى النبي صلعم بلحوق الولد بأمه وميراثه منها.
          (باب الولد للفراش) أي: لمالك الفراش وهو الزوج والمولى والمرأة تسمى فراشاً؛ لأن الرجل يفترشها وللعاهر الحجة العاهر الزاني. قد عهر يعهر عهراً وعهوراً إذا أتى المرأة ليلاً للفجور بها ثم غلب على الزنا مطلقاً.
          والمعنى: لا حظ للزاني في الولد وإنما هو لصاحب الفراش.
          وقوله: (الحجر) أي: الرحم بالحجر إذا كان محصناً وقيل معناه الخيبة كما يقال للخائب حصل له الحجر.
          قوله: (الولاء لمن أعتق) الولاء هو إذا مات المعتق ورثه معتقه أو ورثه معتقة الذكور كانت العرب تبيعه وتهبه فنهي عنه لأن الولاء كالنسب فلا يزول بالإزالة فقال صلعم: ((الولاء لمن أعتق)).
          قوله: (ميراث السائبة) كان الرجل إذا نذر لقدوم من سفر أو برء من مرض أو غير ذلك، قال ناقتي / سائبة فلا تمنع من ماء ولا مرعى ولا تحلب ولا تركب وكان الرجل إذا أعتق عبداً فقال هو سائبة فلا عقل بينهما ولا ميراث وأصله من تسبيب الدواب وهو إرسالها تذهب وتجيء كيف شاءت.
          قوله: (أحدث) الحدث الأمر الحادث المنكر الذي قيس بمعنا وولاء معروف في السنة والمحدثون تروى بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول، بمعنى الكسر من نصر خائباً وأواه وأجاره من خصمه فإنه إذا رضي بالبدعة وأقر فاعلها ولم ينكرها عليه فقد آواه.
          ومن والى قوماً بغير إذن مواليه أي: اتخذهم أولياء له ظاهره يوهم أن إذنهم شرطاً فإن أذنوا صح وليس شرطاً؛ لأنه لا يجوز له إذا أذنوا أن يوالي غيرهم، وإنما هو بمعنى التوكيد لتحريمه والتنبيه على بطلانه لأنه إذا استأذن أولياءه في موالاة غيرهم منعوه فيمتنع، والمعنى: إن سولت له نفسه ذلك فليستأذنهم فإنهم يمنعوه.
          وتكرر ذكر الذمة والذمام وهما بمعنى العهد والأمان والضمان والحرمة والحق وسمي أهل الذمة به لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم.
          قوله: (يسعى بها أدناهم) أي: إذا أعطى أحد الجيش العدو أماناً، جاز ذلك على جميع المسلمين وليس لهم أن يخفروه ولا أن ينقضوا عهده، وقد أجاز عمر أمان عبد على جميع الجيش.