مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم

          ░26▒ باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم
          فيه حديث أسامة بن زيد أن النبي صلعم قال: ((لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم)).
          هذا الحديث أخرجه عن أبي عاصم، عن ابن جريج، عن ابن شهاب، عن علي بن حسين، عن عمرو بن عثمان.
          وكذلك رواه مالك، فقال عن ابن شهاب، عن عمر بن عثمان.
          قال ابن عبد البر: لم يتابع أحد من أصحاب ابن شهاب مالكاً على قوله: (عمر)، وكل من رواه عن / ابن شهاب قال: (عمرو)؛ إلا مالكاً فإنه قال: (عمر).
          وقد وافقه على ذلك يحيى القطان والشافعي وابن مهدي.
          قال: ولم يختلف أهل النسب أنه كان لعثمان ابن يسمى عمر وآخر يسمى عمراً، إلا أن هذا الحديث لعمرو لا لعُمر عند جماعة أهل الحديث.
          وفي الباب أحاديث أخر:
          أحدها: حديث جابر ☺: أن النبي صلعم قال: ((لا يرث المسلم النصراني، إلا أن يكون عبده أو أمته)) أخرجه (ن) وصححه الحاكم وأعله ابن حزم بعنعنة أبي الزبير، عن جابر كعادته.
          ثانيها: حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((لا ترث ملة ملة، ولا تجوز شهادة أهل ملة على ملة، إلا أمتي فإنه تجوز شهادتهم على من سواهم)) أخرجه الدارقطني من حديث عمر بن راشد بن شجرة، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعاً به.
          ثالثها: حديث عبد الله بن عمرو، أخرجه الدارقطني من حديث الضحاك بن عثمان ومخرمة بن بكير، عن أبيه، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال رسول الله صلعم: ((لا يتوارث أهل ملتين شتى مختلفين)).
          قال ابن عبد البر: رواه جماعة من الثقات عن عمرو.
          وقد روينا عن معاذ ومعاوية بن أبي سفيان ويحيى بن يعمر وإبراهيم ومسروق توريث المسلم من الكافر دون عكسه، وهو قول إسحاق، وهو عن معاوية ثابت.
          قال ابن عبد البر: وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: أهل الشرك نرثهم ولا يرثونا. ولم يصح، وممن قال بإرث المسلم من الكافر ابن الحنفية محمد بن علي ومحمد بن علي بن الحسين وسعيد بن المسيب، ورووا فيه حديثاً مسنداً ليس بالقوي.
          وذهب جماعة أئمة الفتوى بالأمصار إلى حديث أسامة، وقالوا: لا يرث المسلم الكافر ولا عكسه، روي هذا عن علي وعمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس وجمهور التابعين، وفي ذلك خلاف عن بعض السلف، روي عن معاذ ومعاوية كما سلف، وذهب إليه سعيد بن المسيب وغيره.
          واحتجوا لذلك فقالوا: نرث الكفار ولا يرثونا، كما ننكح نساءهم ولا ينكحوا نساءنا. ويرده حديث الباب، والسنة حجة على من خالفها.
          قال ابن القصار: والتوارث متعلق بالولاية، ولا موالاة بينهما، قال تعالى: {لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [المائدة:51] فدل أنهم لا يكونوا أولياء للكفار، فوجب أن لا يرثوهم كما لا يرثهم الكفار، وأيضاً فما بين الكافر والمسلم أبعد مما بين الذمي والحربي، فإذا ثبت أن الذمي لا يرث الحربي مع اتفاقهم في الملة؛ فلأن لا يرث المسلم الكافر أولى؛ لاختلافهم في الملة، وما ذكروه من تزويج المسلم الكافرة، فإن باب الميراث غير مبني على التزويج. ألا ترى أن الذمي يتزوج الحربية وهو لا يرثها، والحر المسلم يتزوج الأمة المسلمة ولا يرثها مع اتفاق دينهما، وقولهم ينقلب عليهم؛ لأن الكافر يقول: أنا أرث المسلم؛ لأنه يتزوج منا وإن لم نتزوج منه، فكما يرثنا نرثه.
          وقول (خ): (وإذا أسلم قبل أن يقسم الميراث فلا ميراث)، هو قول جمهور الفقهاء، وقالت طائفة: إذا أسلم قبل القسمة فله نصيبه، روي عن عمر وعثمان من طريق لا يصح، وبه قال الحسن وعكرمة، وحكاه ابن هبيرة رواية عن أحمد، وقول الجماعة أصح؛ لأنه إنما يستحقه من حين الموت؛ لقوله ◙: ((لا يرث الكافر المسلم)) فإذا انتقل ملك المسلم عن ماله إلى من هو على دينه ثبت ملكه لمن ورثه من المسلمين، ولا يجوز إزالة ملكه إلا بحجة.
          واختلف في معنى هذا الحديث / في ميراث المرتد على قولين: أحدهما: أن ماله إذا قتل عليها فيء في بيت مال المسلمين، وهو قول زيد بن ثابت، وبه قال ابن أبي ليلى وربيعة ومالك والشافعي وأبو ثور وأحمد وجماعة فقهاء الحجاز، كما ذكره أبو عمر، وحجتهم ظاهر القرآن في قطع ولاية المؤمنين من الكفار، وعموم حديث أسامة، ولم يخص مرتداً من غيره.
          وحديث عدي بن زيد عن ثابت بن أبي أنيسة، عن يزيد بن البراء، عن أبيه، قال: لقيني عمر فقلت: أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله إلى رجل ينكح امرأة أبيه أضرب عنقه، وآخذ ماله.
          قال الشافعي: وقد روي أن معاوية كتب إلى زيد بن ثابت وابن عباس يسألهما عن ميراث المرتد فقالا: لبيت المال. يعنيان أنه فيءٌ.
          وقال أبو حنيفة والثوري وجمهور الكوفيين وكثير من البصريين والأوزاعي وإسحاق: يرثه ورثته المسلمون.
          قال ابن عبد البر: واختلف في ميراث أهل الملل بعضهم من بعض، فذهب مالك إلى أن الكفر ملل مختلفة، فلا يرث عنده يهودي من نصراني، ولا يرثه النصراني، وكذلك المجوسي لا يرث نصرانيًّا ولا يهوديًّا ولا وثنيًّا، وهو قول الزهري وربيعة وشريك القاضي وأحمد وإسحاق، وحكاه القاضي قولاً للشافعي، وحكاه غيره وجهاً، وحجتهم الحديث السالف: ((لا يرث أهل ملتين شتى مختلفتين)).
          وقال أبو حنيفة والشافعي أي: في أظهر قوليه وأصحابهما وأبو ثور وداود والثوري وحماد: الكفار كلهم يتوارثون؛ الكافر يرث الكافر على أي كفر كان؛ لأن الكفر عندهم كله ملة واحدة.
          وجميع الملل في البطلان كالملة الواحدة، قال تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] ولم يقل: أديانكم، وقال تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ} [يونس:32] فأشعر بأن الكفر ملة واحدة، وقال: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120] ولم يقل: مللهم، فجعلهم ملة واحدة.
          ويوضح ذلك الحديث السالف: ((لا يتوارث أهل ملتين)) وحديث الباب، فجعل الكفر كله ملة واحدة والإسلام ملة، وكان شريح القاضي وابن أبي ليلى وشريك بن عبد الله النخعي القاضي يجعلون الكفر ثلاث ملل: اليهود والسامرة ملة، والنصارى والصابئين ملة، والمجوس ومن لا دين له ملة.