مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الشرب بنفسين أو ثلاثة

          ░26▒ باب الشرب بنفسين أو ثلاثة
          ثنا أبو عاصم، هو الضحاك بن مخلد... إلى آخره.
          هذا الحديث أخرجه (م) أيضاً و(ت) وصححه.
          فإن قلت: ما الجمع بينه وبين / حديث أبي قتادة في الباب قبله نهى عن التنفس في الإناء؟ قلت: سلف الجمع هناك، ويحتمل أيضاً أن النهي عن الشرب وهو يتنفس فيه من غير أن يبينه عن فيه، فإن أبانه في كل نفس فلا بأس، وقد جاء أنه ◙ كان يتنفس ثلاثاً، ويقول: ((هو أمرى وأروى)) ذكره (ت).
          وفي ((الموطأ)) و(ن) نهى رسول الله صلعم عن النفخ في الشراب، فقال رجل: يا رسول الله، إني لا أروى من نفس واحد، قال: ((فأبن القدح عن فيك ثم تنفس)).
          ورواه (ق) بلفظ: ((إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، فإذا أراد أن يعود فلينح الإناء ثم ليعد إن كان يريد))، أخرجه من حديث أبي هريرة وأخرجه (ت) مصححاً، قال ابن العربي: قال علماؤنا: هذا من مكارم الأخلاق، وحرام أن يناول الرجل أخاه بما يقذره فإن فعله في خاصة نفسه ثم جاء غيره فناوله إياه فليعلمه، فإن كتمه كان من باب الغش وهو حرام.
          ولما ذكر ابن أبي عاصم حديث ابن عباس، وحديث أبي قتادة السالفين ترجم للرخصة في ذلك فذكر حديث أنس أنه ◙ كان يتنفس في الإناء ويقول: ((هو أهنأ وأمرأ وأبرأ)).
          ولما ذكر الأثرم حديث أبي سعيد قال: هذه الأحاديث في ظاهرها مختلفة، والوجه فيها عندنا أنه يجوز الشرب بنفس وباثنين وبثلاثة وبأكثر منها؛ لأن اختلاف الرواية في ذلك يدل على التسهيل فيه وأن اختيار الثلاث يحسن.
          وأما حديث النهي عن التنفس في الإناء، فإنما ذلك أن يجعل نفسه في الإناء، فأما التنفس للراحة إذا أبانه عن فيه فليس من ذاك.
          واختلف هل يجوز الشرب بنفس واحد؟ فروى عيسى، عن ابن القاسم: أن مالكاً سئل عن قول الرجل لرسول الله صلعم: إني لا أروى من نفس واحد الحديث السالف أرى ذلك رخصة أن يشرب من نفس واحد ما شاء.
          يريد مالكاً: أنه ◙ لما لم ينه الرجل أن يشرب من نفس واحد، قال له ما قال، علم أن ذلك كان كالإباحة.
          وروي عن سعيد بن المسيب وعطاء ابن أبي رباح: أنهما أجازاه بنفس واحد.
          وروي عن ابن عباس وطاوس وعكرمة: كراهة الشرب في نفس واحد، وقال: هو شرب الشيطان.
          وروى أبو نعيم في [الطب] من حديث هشام، عن أبي عصام، عن أنس: ((تنفسوا في الإناء ثلاثاً فإنه أهنأ وأمرأ وأبرأ)).
          وروى أبو نعيم الحافظ من حديث المعلى بن غزوان، عن أبي وائل، عن عبد الله: كان النبي صلعم يتنفس في الإناء ثلاثة أنفاس يسمي عند كل نفس ومثله في آخرهن.
          قال ابن حزم: لا يحل النفخ، والشرب من ثلمة القدح مباح؛ لأنه لم يصح فيها نهي، وقد وردت الإباحة في ذلك عن ابن عباس وابن عمر ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة إلا ما تقدم من حديث أبي سعيد، ولا يصح.
          قال والدي ⌂:
          قوله: (همام) أي: ابن يحيى، و(ابن أبي ذئب) بلفظ الحيوان المشهور محمد بن عبد الرحمن، و(عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بضم المهملة / وإسكان الفوقانية وبالموحدة، و(أبو سعيد) اسمه سعد بن مالك، و(الاختناث) من اختنثت السقاء إذا ثنيته إلى خارج فشربت منه وأصله التكسر والانطواء، ومنه سمي الرجل المتشبه بالنساء في أقواله وأفعاله: مخنثاً، وهو نهي تنزيه.
          والسبب أنه لا يؤمن أن يكون في السقاء ما يؤذيه من الهوام بأن يدخل جوف الشارب ولا يشعر به، وأيضاً أنه يوجب استقذار غيره وأنه يروح الماء بنكهته ويجعله منتناً.
          قوله: (يكسر) أي يقلب، و(قال عبد الله) أي: ابن المبارك (قال معمر) بفتح الميمين وشك عبد الله فيه.
          قوله: (السقاء أو القربة) هذا شك من الراوي. فإن قلت: ما الفرق بين السقاء والقربة. قلت: السقاء للبن والماء والقربة للماء، و(خشبة) بالتنوين والنصب وخشبه بإضافة الخشب إلى الضمير ومر في كتاب المظالم في باب لا يمنع جار جاره.
          فإن قلت: هذا شيئان لا أشياء؟ قلت: لعله أخبرهم بها ولم يذكره بعض الرواة أو أقل الجمع عنده اثنان.
          قوله: (يزيد) من الزيادة (ابن زريع) مصغر الزرع أي: الحرث، و(خالد) أي الحذاء.
          قوله: (شيبان) بفتح المعجمة وإسكان التحتانية وبالموحدة النحوي، و(يحيى) أي: ابن أبي كثير ضد: القليل، و(أبو قتادة) بفتح القاف وخفة الفوقانية وبالمهملة، اسمه: الحارث بن ربعي الأنصاري، و(تمسح) أي: استنجى سبق الحديث في كتاب الوضوء في باب النهي عن الاستنجاء باليمين، وروي: لا يتنفس ولا يمسح ولا يتمسح بالنفي والنهي.
          قوله: (أبو عاصم) هو الضحاك، و(أبو نعيم) هو الفضل، و(عزرة) بفتح المهملة وإسكان الزاي وبالراء (ابن ثابت) ضد الزائل مر في الهبة، و(ثمامة) بضم المثلثة وخفة الميم، ابن عبد الله بن أنس، و(زعم) أي قال.
          فإن قلت: كيف الجمع بين النهي عن التنفس واستحباب التنفس مرتين أو ثلاثاً؟ قلت: إما أن يراد بالأول التنفس في الإناء وبالتنفس الثاني خارج الإناء وتأول لفظ ((في الإناء)) يفي شرب الإناء ونحوه أو كان النهي إذا شرب مع من يكره نفسه ويتقذره.
          وأما الاستحباب ففي غيره، وأما حكمة النهي عنه فهي من أجل أنه لا بد من أن يقع فيه شيء من ريقه فيعافه غيره حتى لو كان وحده أو مع من لا يتقذر منه فلا بأس به، وحكمه التثليث أنه أقمع للعطش وأقوى على الهضم وأقل أثراً في برد المعدة وضعف الأعصاب، وحاصله أنه أهنأ وأمرأ وأبرأ وأروى.