مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الأيمن فالأيمن في الشرب

          ░18▒ باب الأيمن فالأيمن في الشرب
          فيه حديث أنس أن رسول الله صلعم أتي بلبن قد شيب الحديث وذلك إكرام للميامن.
          قال المهلب: التيامن في الأكل والشرب وجميع الأشياء من السنن، وأخرجه (م) أيضاً وأصله ما أثنى الله به على أصحاب اليمين في الآخرة(1).
          فكان ◙ يحب التيامن؛ استشعاراً منه مما شرف الله تعالى به أهل اليمين، ولئلا تكون أفعاله كلها إلا مراداً بها ما عند الله تعالى وليحتذي حكمة الله تعالى في أفعاله.
          وفيه أن سنة المناولة في الطعام والشراب من على اليمين، قال غيره: وما روي عن مالك أنه قال ذلك في الماء خاصة، فلا أعلم أحداً قاله غيره.
          وحديث عائشة أنه ◙ كان يحب التيامن في طهوره وتنعله وترجله يعم الماء وجميع الأشياء.
          قال ابن عبد البر: ولا يصح ذلك عن مالك، قال ابن العربي: وهي رواية أنكرها قوم ووجهها الأيمن بالفضل بخلاف سائر الأطعمة، ويضعف هذا ما بالماء وإن كان مباح الأصل فإنه إذا صارت عليه اليد اتصل به المالك فصار كسائر المال ولتعارض هذين الأصلين فيه؛ اختلف العلماء في جريان الرياء فيه والقطع في سرقته.
          وإنما أعطى الأيمن لما أسلفناه من إكرام الميامن.
          وقال القرطبي: إنما أعطاه ليتألفه فإنه كان من كبراء قومه، ولذلك جلس عن يمينه؛ ولأن ذلك سنة وهو الأظهر.
          قلت: لعل الأعرابي سبق إلى اليمين ولذلك لم يقمه لأجل الصديق فإنه سبقه به بخلاف الصلاة لقوله: ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى))، ألا ترى أن عبد الله كما في (ت)، وهو الصحيح أو الفضل، كما قاله ابن التين، وهو غلام، لما سبق وجلس عن يمينه وجلس أبو بكر عن يساره، وأتي بماء فشرب، فقال له عمر: أعط أبا بكر، فأعطاه عبد الله وليس هو بأكبر ولا بأحق من الصديق، أو أراد أن الأعرابي لا يستوحش في صرف ذلك إلى أصحابه، أو ربما سبق إلى قلبه شيء فيهلك لقرب عهده بالجاهلية وعدم معرفته بخلقه.
          وفي (م) قال أنس: فهي سنة فإن لم يكن على اليمين أحد فالأكبر؛ لقوله ◙ في حديث حويصة ومحيصة: ((الكبر الكبر)) وهو عموم لا يجوز العدول عنه إلا بنص صحيح؛ فحديث أم الفضل الذي تقدم وأنه شرب بحضرة الناس ولم يناول أحداً.
          وحديث امرأة أبي أسيد وأنها خصته ◙ بشيء سقته به.
          قوله: (الأيمن فالأيمن) بالرفع على تقدير الأيمن أحق، وبالنصب على أعط الأيمن، وفي رواية: ((الأيمنون)) وهو ترجيح للرفع.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: في قوله تعالى {أَصْحَابُ الْيَمِين} المراد به يمين ماذا؟ يمين الجنة وهل لها يمين ويسار، أم يمين العرش فإن الله تعالى ميزه عن نسبة مثل ذلك إليه وإن جاء في حديث يمين الله تعالى ويمين الحجر الأسود ويمين الله، قلت: المراد بأصحاب اليمين من أخذ كتابه بيمينه أو يمين الأنبياء أو أن يكونوا في الموقف يريد يمين رب العالمين أو المراد بأصحاب اليمين أهل الجنة.
قال ابن الجوزي في زاد المسير في قوله تعالى: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} ثمانية أقوال:
أ‌- أنهم كانوا عن يمين آدم حين أخرجت ذريته من صلبه.
ب‌- أنهم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم.
ت‌- أنهم الذين كانوا ميامين على أقضاهم أي: مباركين.
ث‌- أنهم الذين اتخذوا من سبق آدم الأيمن.
ج‌- أنهم الذين منزلتهم عن اليمين.
ح‌- أنهم أهل الجنة.
خ‌- أنهم أصحاب المنزلة الرفيعة.
د‌- أنهم الذين توحدتهم ذات اليمين إلى الجنة.)).