مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب اختناث الأسقية

          ░23▒ باب اختناث الأسقية
          فيه [حديث] أبي سعيد الخدري نهى النبي صلعم عن اختناث الأسقية. الحديث.
          قال عبد الله يعني الداودي عن بشر... إلى آخره.
          واسم أبي سعيد: سعد بن مالك بن سنان، وقيل: فيه ابن أبي ذئب، واسمه: محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث، أبو الحارث فقيه أهل المدينة، ممن كان يأمر بالمعروف.
          وفي رواية لابن أبي عاصم بإسناد الصحيح قال: شرب رجل من فيِّ السقاء وهو قائم فانساب في بطنه جان، فنهى رسول الله صلعم عن اختناث الأسقية أن يشرب من أفواهها.
          ولابن ماجه من حديث سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس: نهى رسول الله صلعم عن اختناث الأسقية أن تشرب من أفواهها وأن رجلاً بعد ما نهى رسول الله صلعم عن ذلك قام من الليل إلى سقاء فاختنثه فخرجت عليه منه حية.
          وأصله عند (ت) مصحح قال الأثرم: وفي هذا بيان ما ذكرنا من أن النهي كان بعد الفعل، وإنهم كانوا يفعلونه على ما في حديث كبشة: أنه ◙ شرب من فم قربة، وكذا رواه أنس بن مالك حتى نهوا عنه. ثم ذكر أنه صح عن ابن عمر أنه شرب من فم الإداوة.
          وروى ابن وهب: فيه علة أخرى وهي أنه ينتنه.
          روي عن ابن عباس، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنه ◙ نهى عن الشرب من في السقاء؛ وقال: إنه ينتنه.
          قال ابن التين: وأظن أن هذه الأخبار لم تبلغ مالكاً، فلذلك أجاز الشرب من أفواهها، وقال: ما بلغني فيه نهي، قيل: فمن ثلمة القدح وما يلي الأذن.
          قال: قد سمعت فيه سماعاً وما علمت فيه شيئاً، وكأنه يضعفه.
          وروى (د) من حديث أبي سعيد الخدري: أنه ◙ نهى عن الشرب من ثلمة القدح، والنفخ في الشراب، وقال مالك: يكره النفخ في الطعام والشراب جميعاً.
          وتحصلنا على معنيين: إما أن يكون فيه حيوان، أو ما في معناه: وأسلف وإما لنتن أفواهها، وأُبدِي بالباء وهو لئلا يغلبه الماء فيقع عليه أكثر من حاجته فيشرق أو يبل ثيابه، وواحدهما يكفي، ومجموعهما أقوى في المعنى.
          وشربه ◙، قالوا: للضرورة، أو كانت حال حرب بعدم الإناء، ولم يعط الحال التمكن من التفريع معه، لكن كان شربه في بيت وهي حالة تمكن لا حرب أو لعله إنما شرب من / إداوة.
          والنهي محمول على القربة الكبرى ونحتاج إلى مزيد نقل عن أهل اللغة، ثم إن شربه من فيها جائز لطيب نكهته وعصمته من أذى الحيوان وأمنه بتلطفه عن صب الماء، قال المهلب: النهي والله أعلم على وجه الأدب؛ لجواز أن يكون في أفواهها حية أو بعض هوام لا يراها الشارب فيدخل جوفه، وقد قيل: إن ذلك على سبيل التقذر؛ لأنه لا يدخلها فيه.
          تقول العرب: خنث السقاء وانخنث السقاء إذا مال، ومنه قيل للمخنث: مخنث؛ لتكسره وميله إلى شبه النساء.
          قوله: (بمعنى: أن تكسر أفواهها فيشرب منها).
          قال الخطابي: أحسب هذا التفسير عن الزهري، و((أفواهها)) جمع ((فما)) على أفواه؛ لأن أصل فم: فوه تقضب منه الهاء؛ لاستثقالهم إجماع هائين في قولك: هذا فوهه بالإضافة، فحذفوا الهاء فلم تحتمل الواو الإعراب لسكونها فعوضوا منها الميم، فإذا صغرت أو جمعت رددته إلى أصله، فقلت: فويه وأفواه، ولا تقل: أفمام.
          وفيه لغات: فتح الفاء منه رفعاً ونصباً وجرًّا وكسرها مطلقاً، ومنهم من يعرفه في مكانين فيقول: رأيت فماً، وهذا فم، وعجبت من فمٍ. وأما تشديد الميم فيجوز في الشعر.
          قال ابن فارس: يقال: فم بالضم والتشديد ولم يكن ضرورة شعر، وهو ما في ((الصحاح)).