مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الشرب قائمًا

          ░16▒ باب الشرب قائماً
          فيه حديث شيخه أبي نعيم، وهو الفضل بن دكين، ثنا مسعر وهو ابن كدام بن ظهير الهلالي عن عبد الملك بن قيس، عن النزال وهو ابن سبرة الهلالي.
          انفرد به (خ) قال: أتى علي على باب الرحبة، فشرب قائماً فقال: إن ناساً يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم، وإني رأيت النبي صلعم فعل كما فعلت.
          ثم ساق حديث ابن عباس: ثم شرب النبي صلعم قائماً من زمزم.
          ثم ترجم باب: من شرب وهو واقف على بعيره.
          ثم ساق حديث أبي النضر سالم، عن عمير مولى ابن عباس عن أم الفضل بنت الحارث وهي لبابة أنها أرسلت إلى رسول الله صلعم بقدح لبن الحديث وللأثرم، عن معمر، عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً: ((لو يعلم الذي يشرب قائماً لاستقاءه)).
          وفي حديث أبي زياد، عن أبي هريرة: أن رجلاً شرب قائماً، فقال له ◙: ((أتحب أن يشرب معك الهر؟)) قال: لا. قال: ((قد شرب معك من هو شر منه الشيطان)).
          وللترمذي من حديث أبي سعيد، عن قتادة، عن أبي مسلم الجذمي، عن الجارود بن المعلى أنه ◙ نهى عن الشرب قائماً. ثم قال: حسن غريب.
          ولما ذكر الأثرم حديث معمر، عن الأعمش المذكور، قال: كان معمر يضطرب في حديث الأعمش ويخطئ فيه، وقد تفرد به هنا، وأيضاً أبو زياد ليس المشهور في الحديث ولا أعرف له عن أبي هريرة غيره، ثم أبين من ذلك أنه سئل أبو هريرة عن الشرب قائما؟ فقال: لا بأس به، فكان هذا الخبر ساقطاً؛ إذ لا يجوز لأبي هريرة ولا لغيره من المسلمين أن يسمع من رسول الله صلعم حديثاً ويفتي بخلافه؛ إلا لشيء ظهر له.
          وذكر الطحاوي في ((مشكله)) ما يبين العلة في كراهة الشرب قائماً، وهو أنه شرب ولم يسم، فقال له ◙... الحديث.
          وقد روي في سبب النهي عن ذلك حديث فيه نظر رواه بقية عن إسحاق بن مالك، عن محمد بن إبراهيم، عن الحارث بن فضيل، عن جعفر بن عبد الله، عن ابن عمر مرفوعاً: ((من أصابه داء في إحدى ثلاث لم يشف: أن يشرب قائماً، وأن يمشي في نعل واحدة أو يشبك بين أصابعه)).
          وفي قول ابن حزم: الشرب قائماً لا يحل عجيب، يرده فعله ◙، فلقد شرب النبي صلعم قائماً والصحابة والتابعون وكذا الأربعة / من المذاهب ومن تبعهم؛ ولم يبلغنا عن أحد منهم فيما نعلم كراهته إلا ما حكي عن أبي هريرة وأنس وقد روي عنهما خلافه.
          وهذا من شذوذ ابن حزم من بين الأئمة ولا نعتد به، وقد أفردت المسألة بالتأليف، وأنشدنا بعض شيوخنا ⌂:
اشرب قياماً تابعاً سنن الهدى                     ودع ابن حزم والذي يتقوله
فالجزم في هذا المقام خلافه                     وهو الصواب أتى به منقوله
          وأما من زعم أن شربه من زمزم كان للزحام والوحل فغير جيد.
          ووقع في (م) قال قتادة: فقلنا: لا يسن الأكل.
          قال: (أشر أو أخبث) بالألف، والمعروف عند علماء العربية شر بدونها، وكذا خير، ولكن هذه اللفظة وقعت هنا على الشك، فإنه قال: أشر أو أخبث فشك قتادة في أن أنساً قال: أشر أو أخبث، فلا يثبت عن أنس بهذه الرواية إلا أن تثبت هذه اللفظة من غير شك هو عربي صحيح، وذلك لغة.
          ووقع في كتاب (ت): أشد بالدال، ترجم (خ) على حديث أم الفضل: باب: الشرب في الأقداح أيضاً، وإذا جاز الشرب قائماً بالأرض فالشرب على الدابة أحرى بالجواز؛ لأن الراكب أشبه بالجالس.
          قوله فيه: ((زاد مالك عن أبي النضر: على بعيره)) يريد به: ما خرجه في الحج: عن القعنبي، عن مالك، عن أبي النضر به، وبهذه الرواية طابق الترجمة، ولو لم يعلم أن طوافه ◙ كان على بعير، لكان الحديث مستغنياً عن التعليق ومناسباً لباب: لا يتمكن من الشرب فندب الشارع إلى الطمأنينة للتمكن منه، وذهب بعضهم فيما حكاه القرطبي إلى أن النهي عن ذلك مخافة سرقة أو يحصل له وجع في كبده أو حلقه وشربه فإنما لامته في ذلك.
          وقال ابن بطال: إنما رسم (خ) هذا الباب لأنه قد روي عن رسول الله آثار فيها كراهة الشرب قائماً فلم يصح عنده وصحت عنده الأحاديث الإباحة في ذلك وعمل بها الخلفاء بعد رسول الله وقال بها أئمة الفتوى.
          وروى الطبري عن عمر أنه شرب قائماً وعن علي وسعد وابن عباس وعائشة وأبي هريرة مثله وغيره إبراهيم وطاوس وسعيد وجبير مثله أيضاً، وروي عن أنس كراهية وعن أبي هريرة مثله وبه قال الحسن البصري والدليل على جواز ذلك أن الأكل مباح قائماً وعلى كل حال وكذلك الشرب.
          وقال ابن التين: فعله ذلك لبيان الجواز وكذا قال الخطابي أنه نهي تأديب؛ لأنه أحسن وأرفق بالشارب وقال القرطبي: لم يصر أحد من العلماء إلى أن النهي للتحريم وأن جارياً على أصول الظاهرية والجمهور على الجواز.
          وقال ابن العربي: قوله: (شرب وهو قائم على بعيره) لا حجة له فيه؛ لأن المرء على بعير قاعد غير قائم.
          قوله: (على باب الرحبة) هو بإسكان الحاء، قال الجوهري: الرحب بالضم: السعة، والرحب بالفتح: الواسع نقول منه: بلد رحب وأرض رحبة، ثم قال: والرحبة بالتحريك رحبة المسجد وهي ساحته والجمع: رحبة ورحبات ورحاب.
          فعلى هذا نقرأ ما في الأصل بالسكون، كما قدمناه؛ لأنه أراد الأرض المتسعة، أو يريد: أنها صارت رحبة بالكوفة بمنزلة الرحبة للمسجد فتقرأ بالتحريك.
          قال ابن التين: وهذا هو البين؛ لأنه تبين في الحديث الثاني: أنه / كان جالساً في رحبة الكوفة، ولا فرق بين رحبة الكوفة ورحبة المسجد.
          قوله: (ثم قعد في حوائج الناس)، هو قول الأصمعي، وقال: إنه مؤكد وإنما أنكره؛ بخروجه عن القياس، وإلا فهو كثير في كلامهم.
          وقال ابن فارس والجوهري: الجمع: حاج وحاجات وحوائج. قال الجوهري: على غير قياس كأنهم جمعوا: حائجة، وذكر قول الأصمعي المتقدم، وزاد: حوج، وقال الهروي: الأصل فيه: حائجة.
          وقال ابن ولاد: الحوجاء: الحاجة، وجمعها: حواجي بالتشديد والتخفيف.
          قال: ويروى أن حوائج مقلوبة من حواجي، كقولهم: سوائع وسواعي.