مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من رأى أن لا يخلط البسر والتمر إذا كان مسكرًا

          ░11▒ باب من يرى أن لا يخلط البسر والتمر
          فيه أحاديث:
          1- حديث هشام ثنا قتادة، عن أنس قال: إني لأسقي أبا طلحة... إلى آخره.
          2- حديث أبي عاصم عن ابن جريج، أخبرني عطاء، سمع جابراً: نهى النبي صلعم عن الزبيب والتمر.
          3- حديث أبي قتادة: نهى النبي صلعم أن يجمع بين التمر والزهو، الحديث.
          قوله: (وقال عمرو بن الحارث: ثنا قتادة، سمع أنساً) أراد به والله أعلم التصريح بسماع قتادة له من أنس، وهذا التعليق أسنده أبو نعيم الحافظ عن محمد بن عبد الله بن سعد، بسنده عن عمرو فذكره.
          وحديث جابر أخرجه (ن) أيضاً عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن ابن جريج فوقفه.
          وحديث أبي قتادة أخرجه (م) (د) (ن) (ق).
          قوله في الترجمة: من رأى أن لا يخلط التمر والبسر إذا كان مسكراً، تعقبه المهلب وقال: إنه خطأ منه وليس مما قصد به أنهما يسكرا حالاً بل مآلاً إلى السكر، والنهي عن الخليطين من جهة الإسكار؛ لأن المسكر مأمور بإهراقه قليله وكثيره.
          وأجاب ابن المنير عنه بأنه لا يلزم (خ) ذلك، إما لأنه يرى جواز الخليطين قبل الإسكار، وإما لأنه ترجم على ما يطابق الحديث الأول وهو قول أنس: كنت أسقي أبا طلحة. ولا شك أن الذي كان يسقيه حينئذ للقوم مسكراً، ولهذا دخل عندهم في عموم التحريم. وقد قال أنس: وإنا لنعدها يومئذ الخمر دل أنه مسكر.
          قوله: وأن لا يجعل إدامين في إدام واحد، يطابقه حديث جابر: نهى عن الزبيب والتمر والبسر والرطب.
          وحديث أبي قتادة أيضاً، ولما ذكر الأثرم حديث أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعاً: نهى عن الخليطين.
          وعن ابن عباس مثله مرفوعاً، وعن أبي قتادة كذلك، قال: هذا ما صح في هذا عن رسول الله، قال: ويكون النهي معللاً بعلل مستقلة، إما تحقق الإسكار الكثير، وإما توقع الإسكار بالاختلاط سريعاً، وأما الإسراف والشره والتعليل في الإسراف فمبين في حديث النهي عن قران التمر، وهذا والتمرتان نوع واحد فكيف بالتعدد.
          وحكمة النهي خوف إسراع الشدة إليه مع الخلط، قال الداودي: لأن أحدهما لا يصير نبيذاً حلواً حتى يشتد الآخر فيسرع إلى الشدة.
          قلت: فيصير خمراً وهم لا يظنون وقد روي هذا عن الليث، واختلف هل ترك ذلك واجب أو مستحب؟ فقال محمد: يعاقب.
          وقال القاضي عبد الوهاب وغيره: أساء في خلطه، فإن لم تحدث الشدة المطرية جاز شربه وكره بعض العلماء شرائب للمريض.
          وسئل الشافعي عن رجل شرب خليطين مسكراً، فقال: هذا بمنزلة أكل لحم خنزير ميت، فهو حرام من وجهين: الخنزير حرام والميتة حرام، والخليطان حرام والسكر حرام.
          وجمهور العلماء قائلون بهذه الأحاديث في الخليطين من جميع الأشربة، وأن ينبذ كل واحد على حدته.
          وممن روي ذلك عنه من الصحابة: أنس، وأبو مسعود الأنصاري، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري. ومن التابعين: عطاء وطاوس.
          وبه قال مالك والليث والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور.
          وروي عن الليث بن سعد أنه قال: لا بأس أن يخلط نبيذ التمر ونبيذ الزبيب ثم يشربان جميعاً، وإنما جاء الحديث في النهي أن ينبذا جميعاً؛ لأن أحدهما يشد صاحبه.
          وخالفه مالك والشافعي فلم يريا أن يخلطا عند شرب ولا انتباذ.
          وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا بأس بشرب الخليطين من الأشربة، قالا: وكل ما لو طبخ على الانفراد حل كذلك إذا طبخ مع غيره.
          قال الطحاوي: ومعنى النهي عن الخليطين على وجه السرف لضيق ما كانوا فيه من العيش، كما روى حنظلة / بن سحيم قال: أصابتنا سنة، فرآنا ابن عمر ونحن نأكل التمر فقال لنا: لا تقرنوا؛ فإن رسول الله نهى [عن] القران.
          قال: وهذا معنى النهي عن الخليطين عندهم؛ لأن كل واحد على حاله يجوز شربه كما يجوز أكل كل تمرة على حيالها.
          قال غيره: المعروف خلاف ما حكاه الطحاوي عنه؛ لأنه أشد الناس اتباعاً لآثار رسول الله فلم يكن ليخالفه.
          وقد روي عن ابن عمر أنه كان ينتبذ التمر فينظر إلى التمرة بعضها بسرة وبعضها رطبة فيقطعها ولا ينتبذ كلها كراهة أن يوقع نهي الشارع عن الخليطين.
          وأما قياسهم أن ما حل على الانفراد حل مع غيره فلا قياس لأحد ولا رأي مع مخالفة السنة ومن خالفها فمحجوج بها.
          ويقال للكوفيين: إذا جاز نكاح المرأة ونكاح أختها منفردتين فليس بالجمع بينهما بأس فإن قالوا: الله حرم الجمع بين الأختين قيل: وكذلك حرم رسوله الجمع بين كل ما ذكر(1).
          قال المهلب: ولا يصح عن رسول الله صلعم النهي عن خلط الأدم، وإنما روي ذلك عن عمر وذلك من أجل السرف؛ لأنه كان يمكن أن يأتدم بأحدهما ويرفع الآخر إلى مرة أخرى.
          وقال أبو عمر: النهي في هذا الباب نهي عبادة واختيار لا للسرف والإكثار ولا لخوف الشدة، قاله الليث وغيره.
          وقالوا: نهى عنه لضيق العيش؛ ولأنه من السرف وهذا نادر؟ لأنه ما كان قط عند ذي عقل رطل تمر ورطل زبيب سرفاً ورطل زهو ورطل بسر سرفاً وهم بالمدينة والطائف وبلاد اليمن، والزبيب والتمر كثير بها فإن أكل الدجاج والنقي والسكر أدخل على أموالهم في السرف وأبعد من ضيق العيش، وما نهى عنها رسول الله.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: وهذا إنما يكون إذا جاز شرب كل وأخذ على انفراد، وهو ممنوع فإنا لا يجوز شرب أحدهما ولا كليهما منفردين ولا مجتمعين)).