مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الباذق ومن نهى عن كل مسكر من الأشربة

          ░10▒ باب الباذق ومن نهى عن كل مسكر
          ورأى عمر وأبو عبيدة... إلى آخره.
          ثم ساق حديث أبي الجويرية: قال: سألت ابن عباس عن الباذق... إلى آخره.
          وحديث عائشة قالت: كان النبي صلعم يحب الحلواء والعسل.
          وسلف في الأطعمة وهذه التعاليق سلفت من ((المصنف)) لابن أبي شيبة.
          و(الباذق) بفتح الباء ثم ألف ثم ذال معجمة مفتوحة ثم قاف، وهو الطلاء المطبوخ من عصير العنب وكان أول من صنعه وسماه بنو أمية؛ لينقلوه عن اسم الخمر وكل مسكر فهو خمر؛ لأن الاسم لا ينقله عن معناه الموجود فيه.
          ونقل عن الشيخ أبي الحسين عن بعض الحذاق أنه اسم حدث بعد رسول الله لم يكن قديماً في العرب، وسئل عن فتح الذال فقال: ما وقفناهم عليه، ولكن الذين قرءوا بكسرها، وقال أبو عبد الملك: قد سمي بالباذق الخمر المطبوخ.
          قال ابن التين: وقول ابن عباس: سبق محمد الباذق. يريد أن الباذق لم يعرفه رسول الله؛ لأن هذا الاسم فارسي عربته العرب فردته إلى حد السكر؛ أي: ليس الاعتبار بالأسماء إنما هو بما أسكر.
          وذكر القزاز أن ابن عباس نهى عن شربه.
          وعند الجواليقي: باذه أي باق، وقال الداودي: وهو يشبه الفقاع إلا أنه ربما اشتد، وإنما لم يعرفه ابن عباس؛ لأنه اسم مولد، وعبارة المهلب تعني: سبق محمد صلعم بتحريم الخمر قبل تسميتهم لها بالباذق وهو من شراب العسل.
          وليس تسميتهم لها بغير اسمها بنافع لها إذا أسكرت.
          ورأى ابن عباس وأبي أن سائله، أراد استحلال الشراب المحرم بهذا الاسم فحسم منه رجاءه وباعد منه أصله، وأخبره أن ما أسكر فهو حرام.
          وزعم ابن قرقول أنه طلاء مطبوخ من عصير العنب.
          وقال ابن سيده: هو الخمر.
          وقال القزاز: هو ضرب من الأشربة، ومالك بن أسماء هو شاربه.
          وذكر أبو الليث السمرقند[ي] من الحنفية: أن شارب المطبوخ أعظم ذنباً وقد ذكرناه عنه فيما سلف.
          والطلاء: بالمد وكسر الطاء كما ضبطه ابن ولاد، وهو الشراب المطبوخ من عصير العنب وهو الرب، وأصله القطران الخاثر الذي تطلى به الإبل.
          قال القزاز: هو صنف من الخمر، وهو أن يغلي عصير العنب حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه، شبه بطلاء الإبل لثخنه وسواده وليس بحرام وإنما سميناه خمراً؛ لأن بعض الناس يجعل الطلاء الخمر، ومن هذا قول عبيد بن الأبرص:
هي الخمر تكنى الطلا                     كما الذئب يكنى أبا جعدة
          وقال ابن سيده: هو خاثر المنصف. وقال اللحياني: مذكر لا غير. وقال الجوهري: تسميه العجم: الميبختج(1). وزعم ابن حبيب أن شربه لا يجوز حتى يذهب ثلثاه في الطبخ ويوقن أنه لا يسكر.
          واختلف في شربه؛ فقال كثير من الصحابة والتابعين: إذا ذهب ثلثاه وبقي ثلثه فهو جائز شربه، وهو قول عمر، وعلي، وأبي عبيدة ومعاذ وأبي طلحة وأبي الدرداء وأبي أمامة الباهلي. ومن التابعين: الحسن وعكرمة وابن المسيب، وهو قول مالك والثوري والليث وأحمد، وكلهم أجاز شربه إذا ذهب ثلثاه؛ لأنه لا يسكر كثيره.
          وفيه قول ثان: بأن يذهب النصف بالطبخ. وروي أنه أجاز / شربه البراء وأبو جحيفة وجرير وأنس، ومن التابعين: ابن الحنفية وعبيدة وشريح والحكم بن عتيبة والنخعي وسعيد بن جبير.
          وأجازه أبو حنيفة وصاحباه واحتجوا أنه لا يجوز أن يشرب أحد من الصحابة والتابعين ما يسكر؛ لأنهم مجتمعون أن قليل الخمر وكثيرها حرام، وأما الذي كرهه فإنه تورع عنه.
          قوله: (ليس بعد الحلال الطيب إلا الحرام الخبيث) معناه أن الشبهات تقع في حيز الحرام وهي الخبائث.
          وأما حديث: كان يحب الحلواء والعسل. فهو الحلال الذي لا شك في طيبه فالحلواء تطبخ حتى تنعقد، والعسل يمتزج بالماء فيشرب من ساعته، وهذا لا شك في طيبه وحله.
          وفي حديث عمر من الفقه الجلد في ريح الشراب الذي يسكر كثيره، ألا ترى قوله: ((وأنا سائل عنه، فإن كان يسكر حددته))، ولم يخص بذلك السكر من خمر العنب بل أطلق ذلك على كل شيء يسكر من جميع الأشربة.
          وروي عن ابن مسعود أنه [ورد] حمص فشم من رجل ريح خمر فحده، ولا مخالف له من الصحابة. وعن عمر بن عبد العزيز مثله.
          قال ابن المنذر: وبه قال مالك، قال: إذا شهد عدلان ممن شرب الخمر في كفره ثم أسلم، أو شربها في إسلامه فحد ثم تاب منها وقالا: إنها ريح مسكر جاز الحد، قال عطاء: لا حد إلا بالنبيذ؛ لأن الريح يكون من الشراب الذي ليس به بأس. وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وقالوا: لا يحد الذي يوجد منه ريح الشراب إلا أن يقول: شربت مسكراً، أو يشهد عليه بذلك، قالوا: لأن الروائح تتفق فرائحة التفاح الشامي والخمر تتفق ودرء الحد بالشبهة أولى.
          وحجة مالك: أن رائحة الخمر وإن تشابهت فإنه إذا تأملها من يعرفها لم تخلط مع غيرها وإن تقاربت، وقد تشتبه الألسن والروائح، ثم لا بد من الفرق بينهما كما تقول في شهادة الأعمى على الصوت.
          وقال ابن المنذر: روي عن عطاء: لا يحد في شيء من الشراب حتى يسكر إلا الخمر، وبه قال أبو حنيفة. وعن ابن أبي ليلى والنخعي: لا يجلد السكران من النبيذ حدًّا.
          وقال ابن المنذر: وقد ثبت عن النبي صلعم أنه قال: ((من شرب الخمر فاجلدوه)) فالحد على شاربه واجب سكر أم لا على ظاهر الحديث، وكل شراب أسكر كثيره فهو حرام، وقليله حرام للأخبار الثابتة.
          وقول عمر: ((وجدت من عبيد الله ريح شراب)) وفي ((الموطأ)): فزعم أنه شرب الطلاء. يعكر عليه ما أسلفناه عن عمر من تجويزه شرب الطلاء إلا أن يكون أراد به المنصف.
          قال ابن التين: وفيه الأخذ بالرائحة إذا لم يشك فيها، وسؤال الإمام عما يشك فيه. قال: وما رآه عمر فمن بعده، يريد ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه، وإنما أتى به على معنى البيان أعني قوله على الثلث؛ لأن الطلاء هو ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه، وهذا جعله بعض العلماء حدًّا أنه إذا ذهب ثلثاه لم يسكر.
          قال في ((المدونة)): ولم يلتفت مالك إلى ثلثين من ثلث، وإنما قال: حده إذا طبخ فلم يسكر.
          فصل
          في بيان كنى وأسماء وقعت في الباب:
          أبو جحيفة اسمه: وهب بن عبد الله بن مسلمة بن جنادة بن جندب بن جحير بن رئاب بن جنيب بن سراية بن عامر بن صعصعة.
          وأبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر.
          ومعاذ: هو ابن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدى أخي سلمة ابني سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج أخي الأوس ابني حارثة.
          وأبو الجويرية اسمه: حطان بن خفاف / الجرمي، انفرد به (خ) وهم جماعة تكنوا بذلك.
          عبد الرحمن بن مسعود العبدي، سمع ابن الحنفية، وعنه الصلت بن بهرام، سمع أم سعيد عن عائشة، وعنه نصر بن علي، وعبد الحميد بن مهران كوفي نزل المدينة، عن حماد بن أبي سليمان، وعنه حماد والخياط من الكنى لمسلم.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: معناه بالفارسية مي تحته أي خمرة مطبوخة)).