مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ترخيص النبي في الأوعية والظروف بعد النهي

          ░8▒ باب ترخيص النبي صلعم في الأوعية والظروف بعد النهي
          فيه خمسة أحاديث:
          1- حديث محمد بن عبد الله أبو أحمد الزبيري، بسنده عن جابر: نهى رسول الله عن الظروف، الحديث.
          2- حديث علي بن عبد الله، بسنده عن أبي عياض، واسمه عمرو بن الأسود، وقيل: قيس بن ثعلبة العنسي الكوفي كان حياً في ولاية معاوية، انفرد به (خ) عن عبد الله بن عمرو قال: لما نهى رسول الله عن الأسقية، الحديث.
          3- حديث إبراهيم التيمي تيم الرباب وهو إبراهيم بن يزيد عن الحارث بن سويد وهو يسمى أيضاً بتيم الرباب، مات في آخر ولاية عبد الله بن الزبير عن علي: نهى النبي صلعم عن الدباء والمزفت.
          4- حديث منصور، عن إبراهيم: قلت للأسود: هل سألت عائشة أم المؤمنين عما نهى النبي صلعم أن ينتبذ فيه؟ الحديث.
          5- حديث الشيباني: سمعت عبد الله بن أبي أوفى قال: نهى النبي صلعم عن الجر الأخضر أما حكم الباب بعد سلف، وحاصله أقوال ذهب مالك إلى إجازة الانتباذ في جميع الظروف غير الدباء والمزفت، وأنه كره الانتباذ فيهما ولم ينسخ عنده واحد في ذلك، وذهب الشافعي والثوري إلى كراهة الانتباذ في الدباء والمزفت والحنتم والنقير للنهي عنها كما سلف، ومعنى النهي عندهم عن الانتباذ فيها لسرعة استحالة ما ينتبذ فيها فتصير حمراء وهم لا يظنون ذلك فيواقعون ما نهى الله عنه.
          وقال ابن عباس لأبي جمرة: لا تشرب نبيذ الجر وإن كان أحلى من العسل، وكره ابن المسيب والحسن، وقال أبو حنيفة وأصحابه: الانتباذ في جميع الأوعية كلها مباح، وأحاديث النهي عن الانتباذ منسوخة بحديث جابر وغيره، ألا ترى أنه ◙ أطلق لهم جميع الأوعية والظروف حتى قال له الأنصار: إنه لا بد لنا منها فقال: ((فلا إذاً)) ولم يستثن منها شيئاً.
          وعن ابن عباس: كل حلال في كل ظرف حلال، وكل حرام في كل ظرف حرام، وهذا القول أولى بالصواب، قال ابن السكيت: السقا يكون للبن والماء / والوَطبُ للبن خاصة والنجي للشمس والقربة للماء والجمع القليل الأسبية واستقاب والكثير أساق.
          وقد اختلف في النهي هل هو باق قال مالك: نعم، وخالفه ابن حبيب وقال: ما كان بين نهيه عنها ورخصه فيها إلا جمعة.
          قال والدي ⌂:
          (باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه) إنما ذكره باعتبار الشراب وإلا فالخمر مؤنث سماعي، وفي بعضها يسميها بغير اسمها.
          و(هشام بن عمار) بفتح المهملة وشدة الميم المقري الحافظ الدمشقي، و(صدقة) أخت الزكاة ابن خالد دمشقي أيضاً، و(عبد الرحمن بن يزيد) بالزاي (ابن جابر) الأزدي في الصوم، و(عطية) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية (ابن قيس الكلابي) بكسر الكاف، مات سنة إحدى وعشرين ومائة، و(عبد الرحمن بن غنم) بفتح المعجمة وسكون النون الأشعري الصحابي عند الأكثر، وقيل: تابعي مخضرمي مات سنة ثمان وسبعين ويعرف بصاحب معاذ لكثرة لزومه له، و(أبو عامر أو أبو مالك) على الشك. وقيل: اسمه كعب، وقيل: عمرو، وقيل: عبد الله، وقيل: عبيد.
          وقال ابن المديني: الصواب أبو مالك بلا شك.
          قال المهلب: هذا الحديث لم يسنده (خ) من أجل شك(1) المحدث في الصاحب حيث قال أبو عامر أو أبو مالك أو لمعنى آخر لا نعلمه.
          أقول:
          المشهور عند المحدثين أنه يقال ثنا وأخبرنا إذا كان الكلام على سبيل النقل والتحميل، وأما إذا كان على سبيل المذاكرة يقال قال، واعلم أن هذا الإسناد من الطرائف؛ لأن الرجال كلهم شاميون فهو مسلسل بالشامية.
          قوله: (ما كذبني) فإن قلت: عدالة الراوي معلومة لا سيما وهو صحابي فما الفائدة في ذكره؟ قلت: التوكيد والمبالغة في كمال صدقه.
          و(الحر) بكسر المهملة وتخفيف الراء الفرج وأصله الحرح فحذف إحدى الحائين منه، ومن قال بالمعجمة والزاي فقد صحفه، و(المعازف) بالمهملة والزاي أصوات الملاهي.
          و(العلم) بفتح المهملة واللام الجبل، و(السارحة) الغنم التي تسرح. وفي بعضها: ((بسارحة)) بزيادة الباء الجارة في الفاعل نحو كفى بالله شهيداً، أو هو مفعول به بالواسطة والفاعل مضمر وهو الراعي بقرينة المقام، إذ السارحة لا بد لها من الراعي.
          فإن قلت: ما فاعل يأتيهم؟ قلت: الآتي أو الراعي أو المحتاج أو الرجل والسياق مشعر بذلك.
          وفي بعضها تأتيهم بلفظ المؤنث وهذا كلام على سبيل التجوز، وفي بعض المخرجات يأتيهم رجل لحاجة تصريحاً بلفظ رجل.
          قوله: (يبيتهم الله) أي: يهلكهم بالليل (ويضع العلم) أي: يضع الجبل بأنه يدكدكه عليهم ويوقعه على رؤوسهم، وفي بعضها بزيادة لفظ عليهم، و(آخرين) يعني: من لم يهلكهم بالبيات.
          وفيه أن المسخ قد يكون في هذه الأمة خلاف من زعم أنه لا يكون وإنما مسخها لقلوبها.
          فإن قلت: الحديث ليس فيه إلا ذكر الجزء الأول من الترجمة لا ذكر تسمية الخمر بغير اسمها؟ قلت: لعله اكتفى بما جاء مبيناً في الروايات الأخر ولم يذكره، إذ ليس ذلك بشرطه أو لعل نظره إلى أن لفظ من أمتي فيه دليل على أنهم استحلوها بتأويل، إذ لو لم يكن بالتأويل لكان كفراً وخروجاً عن أمته أو تحريم الخمر معلوم من الدين بالضرورة، قيل: ويحتمل أن يقال أن الاستحلال لم يقع بعد وسيقع وأن يقال أنه مثل استحلال نكاح المتعة واستحلال بعض الأنبذة المسكرة.
          قوله: (التور) بفتح الفوقانية وسكون الواو وبالراء، ظرف من صفر قيل: هو قدح كبير كالقدر، وقيل: مثل الإجانة، وقيل: هو مثل الطست وقيل: هو من الحجر.
          و(أبو حازم) بالمهملة والزاي، سلمة و(أبو أسيد) مصغر الأسد اسمه مالك الساعدي بالمهملات، و(الخادم) يطلق على الذكر والأنثى مر الحديث مراراً.
          فإن قلت: أين ذكر الأوعية؟ قلت: التور وعاء وعطف التور على / الأوعية من باب عطف العام على الخاص.
          قوله: (محمد بن عبد الله أبو أحمد الزبيري) مصغر الزبر بالزاي والموحدة والراء، و(سالم) هو ابن أبي الجعد بفتح الجيم وسكون المهملة الأولى.
          قوله: (إذن) جواب وجزاء؛ أي: إذا كان لا بد لكم منها فلا نهي عنها، وحاصله أن النهي هو على تقدير عدم الاحتياج إليها أو نسخ ذلك بوحي سريع، أو كان الحكم في تلك المسألة مفوضاً إلى رأيه صلعم.
          قال ابن بطال: النهي عن الأوعية إنما كان قطعاً للذريعة فلما قالوا لا بد لنا قال انتبذوا فيها وكذلك كل نهي كان بمعنى النظر إلى غيره كنهيه عن الجلوس في الطرقات فلما ذكروا أنهم لا يجدون بدًّا من ذلك قال إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه.
          قوله: (خليفة) بفتح المعجمة وكسر اللام وبالفاء أبو خياط بالمعجمة وشدة التحتانية وبالمهملة، و(أبو عياض) بكسر المهملة وخفة التحتانية وبالمعجمة عمرو، ويقال له: عمير بن الأسود العنسي بالمهملتين والنون الزاهد.
          قوله: (عن الأسقية) [فإن قلت] السياق يقتضي أن يقال إلا عن الأسقية بزيادة إلا على سبيل الاستثناء أي: نهى عن الانتباذ إلا عن الانتباذ في الأسقية؟ قلت: يحتمل أن يكون معناه لما نهى رسول الله صلعم في مسألة الأنبذة عن الجرار بسبب الأسقية وعن جهتها.
          كقوله: (ينهون عن أكل وعن شرب) أي: يسمنون بسبب الأكل والشرب ويتناهون في السمن به وقال الزمخشري مثله في قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا} [البقرة:36] أي: بسببها.
          قال الحميدي: ولعله نقص منه عند الرواية وكان أصله نهي عن النبيذ إلا في الأسقية وكذا في رواية عبد الله بن محمد عن الأوعية.
          قوله: (فرخص) قال النووي: هذا محمول على أنه رخص فيه أولاً ثم رخص في جميع الظروف.
          قوله: (سليمان) أي: الأعمش، و(إبراهيم التيمي) بفتح الفوقانية وإسكان التحتانية، و(الحارث بن سويد) مصغر السود تيمي أيضاً، و(عثمان) أي: ابن أبي شيبة بفتح المعجمة خلاف الشباب، و(جرير) بفتح الجيم وكسر الراء الأولى ابن عبد الحميد، و(إبراهيم) أي: النخعي، و(الأسود) ضد: الأبيض خاله وشيخه.
          قوله: (أهل البيت) منصوب على الاختصاص، و(الشيباني) بإعجام المفتوحة وسكون التحتانية وبالموحدة وبالنون، سليمان أبو إسحاق.
          قوله: (لا يعني أن حكمه حكم الأخضر) فإن قلت: مفهوم الأخضر يقتضي مخالفة حكم الأبيض له. قلت: شرط اعتبار المفهوم أن لا يكون الكلام خارجاً مخرج الغالب، وكان عادتهم الانتباذ في الجرار الخضر فذكر الأخضر لبيان الواقعة لا للاحتراز.
          الخطابي: لم يعلق الحكم في ذلك بخضرة الجر وبياضه، وإنما يعلق بالإسكار وذلك أن الجرار أوعية متينة قد يتغير فيها الشراب ولا يشعر به فنهوا عن الانتباذ فيها وأمروا أن ينتبذوا في الأسقية لرقتها وإذا تغير الشراب فيها يعلم حالها فيجتنب عنه.
          وأما ذكر الخضرة فمن أجل أن الجرار التي كانوا ينتبذون فيها كانت خضراً والأبيض بمثابته فيه والآنية لا تحرم شيئاً ولا تحلله.
          قوله: (يعقوب) القاري بالقاف وخفة الراء منسوب إلى القارة، و(أبو أسيد) مصغراً، و(الساعدي) بكسر المهملة الوسطانية.
          قال ابن بطال: فيه من الفقه أن الحجاب ليس بفرض على نساء المؤمنين، وإنما هو خاص لأزواج النبي صلعم.
          أقول:
          يحتمل أنه كان قبل نزول الحجاب أو كانت تخدمهن وهي مستورة بالجلباب، وقال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ} [النور:30] وقال: {قُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:31] ومر الحديث آنفاً.
          الزركشي:
          (لما نهى النبي صلعم عن الأسقية) كذا ثبت في النسخ، وإنما صوابه: ((عن الظروف)) لا الأسقية كالرواية الأولى، قال القاضي: ذكر الأسقية هنا وهم في الرواية، إنما / هو الأوعية؛ لأنه لم ينه عن الأسقية، إنما نهى عن الظروف وأباح الانتباذ في الأسقية، فقيل له: ليس كل الناس يجد سقاء، ولذلك [قال] لوفد عبد القيس حين قالوا: ففيم نشرب؟ قال: ((في أسقية الأدم)).
          وفي رواية: ((نهى عن النبيذ إلا في الأسقية))، فكأن ((إلا)) سقطت من الراوي، ومعناه: أن الأسقية يتخللها الهواء من مسامها فلا يسرع إليها الفساد مثل ما يسرع إلى الظروف المنهي عنها.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: الشك في كنية الصحابي لا يضر؛ لأن الصحابة كلهم عدول ولو كان الشك أنه صحابي أو غيره لكان يضر)).