مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب تغطية الإناء

          ░22▒ (باب تغطية الإناء).
          قوله: (روح) بفتح الراء وسكون الواو وبالمهملة (ابن عبادة) بضم المهملة وخفة الموحدة، و(الجنح) بكسر الجيم وضمها الظلام، و(جنح الليل) طائفة منه، و(أمسيتم) أي: دخلتم في المساء، و(كفوا صبيانكم) أي: امنعوهم من الخروج هذا الوقت أي: يخاف على الصبيان حينئذ لكثرة الشياطين وإيذائهم، و(خلوهم) / بإعجام الخاء، ويقال (أوكي) ما في سقائه إذا شده بالوكاء وهو الذي يشد به رأس القربة، و(خمروا) أي: غطوا، و(تعرضوا) بضم الراء وكسرها أي: إن لم تتيسر التغطية بتمامها فلا أقل من وضع عود على عرض الإناء، وجواب لو محذوف نحو لكان كافياً.
          فإن قلت: فما تقول في القناديل المعلقة في المساجد ونحوها؟ قلت: العلة في الأمر بالإطفاء خوف ضرر النار فإن خيف منها أيضاً فحكمه كذلك.
          قال ابن بطال: خشي صلعم على الصبيان عند انتشار الجن ممن تلم بهم فتصرعهم فإن الشيطان قد أعطاه الله تعالى قوة عليه، وأعلمنا رسول الله صلعم أن التعرض للفتن مما لا ينبغي وأن الاحتراس منها أحزم على أن ذلك الاحتراس لا يرد قدراً، ولكن ليبلغ النفس عذرها ولئلا يتسبب له الشيطان إلى لوم نفسه في التقصير، وفي ما قال لا يفتح غلقاً إعلام منه بأن الله تعالى لم يعطه قوة على هذا وإن كان قد أعطاه أكثر منه وهو الولوج حيث لا يلج الإنسان، وقيل: إنما أمر بالتغطية؛ لأن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء مكشوف إلا نزل فيه من ذلك والأعاجم يتوقعون ذلك في كانون الأول.
          وأما إطفاء المصابيح فمن أجل الفأرة فإنها تضرم على الناس بيوتهم.
          وفيه أن أمره ◙ قد يكون لمنافعنا لا لشيء من أمر الدين.
          وفيه الحث على ذكر اسم الله قيل: وتحصل التسمية بقول اسم الله.
          أقول:
          وفيه جمل من أنواع الآداب الجامعة لمصالح الدنيا والآخرة وخصص بالليل؛ لأن غسق الليل وقت ظهور الأشرار، وقد ضبط أحوالهم فيما يتعلق بالإنسان من جلب المنافع من جهة الاتباع وهو كف الصبيان ونحوه والمساكن وهو غلق الأبواب والمشارب وهو إيكاء القرب والمطاعم، وهو تخمير الأواني، ومن دفع المضار وهو إطفاء المصابيح أو ضبط دوافع الآفات فيما يتعلق بشياطين الجن فبكف الصبيان وما يتعلق بشياطين الإنس فبالإغلاق، وما بالآفة السماوية فبإيكاء القربة وتخمير الآنية، وأما بالآفة الأرضية فبالإطفاء، وهذا كله على سبيل التمثيل والباقي يقاس عليه.
          الزركشي:
          قوله: (على باب الرحبة) جوز فيه السفاقسي إسكان الحاء وفتحها على مقتضى نقل الجوهري في ((الصحاح)).
          (في حوائج الناس) أنكر الداودي هذا، وقال: إنما تجمع الحاجة على حاجات وحاج، لكن ابن فارس والجوهري وغيرهما حكوا أيضاً حوائج.
          (وعن يمينه غلام) قيل: هو عبد الله بن عباس، وقيل: الفضل أخوه.
          (فتله في يده) بشد اللام؛ أي: وضعه.
          (جنح الليل) بضم الجيم وكسرها قيل: حين تغيب الشمس (فتنتشر) أي: تجيء وتذهب، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          فإن قلت: قوله (تله) هو الإعطاء بقوة وكراهة وكيف يكون ذلك منه ◙ وقد طلب الغلام حقه بأمره ◙ وشرعه بقوله: الأيمن فالأيمن ويمنوا ونحوه وطلب السرف بشرب سؤره ◙ وكل أحد يرغب في ذلك ولا يسمح به فهذا كان مما يمدح به ويسلو عليه، قلت التل لم يكن لأنه طلب حقه مع أن التل لا يدل صريحاً على الكراهة، بل لأنه لم يقبل ما استأذنه ◙ منه وهو قوله: ((أتأذن أن أعطي)) فكان اللائق بالأدب من الغلام يقول ما أشار به سيد الأولين والآخرين وأن يأذن فيما استأذنه فيه ونظير هذا قصة علي حين دخل ◙ وعلى فاطمة(1).
          وقال: أنفسنا بيد الله إذا شاء أمسكها الحديث.
          فخرج النبي وهو يضرب فخذه وقال: وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً فتلاوته ◙ الآية الشريفة وضربه يده الشريفة على فخذه لا للإنكار على علي، بل لعدم تقول ما أمر به وعارضه بقوله: أنفسنا بيد الله الحديث.
          قوله: (من ماء فيها طيب) قيل ذهب مالك إلى أن الماء المطيب بالمسكر وماء الورود ونحوه مكروه.
          (باب شرب الحلواء والعسل).
          قوله: (لا يحل شرب بول / الناس) يستثنى من هذا بول النبي صلعم فإنه شفاء وبركة وقد شربته أم أيمن بركة للبركة فقال: إذا لا ينجع بطنك بعده أبداً رواه الحاكم.
          أقول:
          والعباس يقتضي أن يكون بوله حلالاً لأن فضلاته طاهرة على الصحيح فإذا كان بوله طاهراً يكون حلالاً؛ لأن الأصل في الأشياء الطاهرة الحل ما لم يكن مضرة وهذا طاهر نافع ففيه البركة كما حصل لبركة ♦.
          فإن قلت: قيل إنه ما كان يرى له ◙ نحو وكانت الأرض تبتلعه فما الحكمة في أن بوله يرى ويظهر ولم تبتلعه الأرض وهو أحرى بالابتلاع من النحو لرقيه، قلت: فإنه لفحش النحو أخفى بخلاف البول وأيضاً لكثرة البول بخلاف النحو فإنه يكون في اليوم والليلة للمعتدل المراح عالياً مرة واحدة، أو أنه لم يخف بوله لما فيه من المنفعة والنحو لم يعلم حكمه فأخفى وابتلعته الأرض.
          فإن قلت: إذا كان نحوه يبتلعه الأرض ولا يرى فكيف تحلفين عليه بأنه طاهر أولاً والحكم على الشيء فرع وجوده طهوره قلنا: لو فرض أنه موجود ولم تبتلعه الأرض أو الحكم عليه قبل الابتلاع تلك اللحظة بعد الظهور وقبل الاختفاء، وفائدته أن لو أصاب شيئاً لا يحكم بنجاسته وأيضاً لم يحكم بالطهارة على نحو وحدة بل على فضلاته ومن جملتها النحو.


[1] بيض المصنف هنا في المخطوط.