مجمع البحرين وجواهر الحبرين

وقول الله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس}

          ░1▒ وقول الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ}الآية [المائدة:90] فيه أربع أحاديث:
          1- حديث ابن عمر ☻ أن رسول الله صلعم قال: ((من شرب الخمر في الدنيا)).
          2- حديث شعيب عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة ☺ أن رسول الله صلعم أتي ليلة الإسراء الحديث، تابعه معمر وابن الهاد قلت: ابن الهاد هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، والزبيدي محمد بن الوليد.
          3- حديث أنس قال: سمعت من رسول الله صلعم حديثاً الحديث.
          4- حديث أبي هريرة قال: أن النبي صلعم قال: ((لا يزني حين يزني)) الحديث.
          متابعة معمر أخرجها (خ) في أحاديث الأنبياء مسنداً.
          ومتابعة ابن الهاد، قال الحاكم: أراد حديث ابن الهاد، عن عبد الوهاب بن بخت، عن الزهري، قلت: وهي في (ن) ومتابعة الزبيدي أخرجها أيضاً عن كثير بن عبيد المذحجي، وأخرجه ابن حبان، عن محمد بن عبد الله.
          وأخرجه (خ) في التفسير عن أحمد بن صالح عن عنبسة بن خالد عن يونس.
          ومتابعة عثمان بن عمر أراد بها روايته عن يونس بن يزيد، عن الزهري، كما قاله الحاكم وغيره، وقد سلف في الإسراء طرف من هذا، وأنه أتي بثلاثة أقداح.
          وحديث ابن عمر أخرجه مالك عن نافع، ووقفه على عبد الله، و(خ) أخرجه من طريقه عنه عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً، وأخرجه (م) (ن).
          وله طريق آخر من حديث أبي هريرة أخرجه (ن) من حديثه مرفوعاً: ((من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربه في الآخرة ومن شرب في آنية الذهب والفضة لم يشرب بها في الآخرة)).
          ثم قال رسول الله صلعم: ((لباس أهل الجنة وشرب أهل الجنة وآنية أهل الجنة الذهب)). قال أبو حاتم الرازي: هذا حديث خطأ.
          وروى ابن أبي عاصم بإسناد جيد عن أبي هريرة ☺ مرفوعاً: ((مدمن الخمر كعابد وثن)).
          وعن ابن عمر أخرجه ابن أبي عاصم من حديث يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عنه مرفوعاً: ((من شرب الخمر فجعلها في بطنه لم يقبل له صلاة سبعاً إن مات فيها مات كافراً وإن أذهب عقله عن شيء من الفرائض لم يقبل منه صلاة أربعين يوماً، فإن مات فيها مات كافراً)) وخرجه (ت) وحسنه.
          وفي التنفير منه أحاديث أخر: حديث أصرم بن حوشب بسنده، عن أبي موسى أن النبي صلعم قال: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر وقاطع الرحم ومصدق بالسحر)) أخرجه الأصفهاني في ((ترغيبه))، ولابن سعد، قال أبو موسى: ما أبالي أشربت الخمر أم عبدت هذه السارية من دون الله.
          وعن عروة بن رويم قال ◙: ((أول ما نهاني ربي عن شرب الخمر وعبادة الأوثان)).
          وفي حديث أبي يعلي أحمد بن علي بسنده، عن أنس رفعه: ((من فارق الدنيا وهو سكران دخل القبر وهو سكران، وبعث من قبره وهو سكران / ، وأمر به إلى النار وهو سكران إلى جبل يقال له سكران، فيه عين يجري منها القيح والدم وهو طعامهم وشرابهم ما دامت السماوات والأرض)).
          ومن حديث القاسم بن عبد الرحمن الشامي، عن أبي أمامة قال رسول الله صلعم: ((أربعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: عاق ولا منان ولا مدمن خمر ولا مكذب بقدر)).
          ومن حديث جابر عن زيد الجرشي: سمعت رسول الله صلعم يقول: ((لا يدخل الجنة مدمن خمر)) قال أبو حاتم: حديث منكر.
          ولابن عدي في ((كامله)) من حديث عثمان بن عفان مرفوعاً: ((لا يجتمع الإيمان والإدمان في صدر رجل أبداً يوشك أحدهما أن يخرج الآخر)) أسنده عمر بن سعيد بن شريح، عن الزهري ووقفه يونس ومعمر وشعيب وغيرهم عنه. قال (د): وهو الصواب.
          ولابن عدي من حديث الحسن بن عمارة، عن أبيه، عن عبد الله بن أبي أوفى، يرفعه: ((شارب الخمر كعابد اللات والعزى)) قال: الذي يشربه ولا يستفيق منه؟ قال: ((لا، الذي يشربه كلما وجده ولو بعد حول)).
          قال أبو الليث: إنما شبهها بعبادة الأوثان؛ لأن الله تعالى سماها رجساً وأمرنا باجتنابها فقال: {رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة:90]، وقال: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج:30]، وقد روي عن ابن مسعود: من شربها نهاراً أشرك بالله حتى يمسي، ومن شربها ليلاً أشرك بالله حتى يصبح، وإذا مات فانبشوا قبره فإن لم تجدوه منصرفاً عن القبلة فافعلوا بي ما أردتم.
          فصل:
          تحريم الخمر قليلها وكثيرها معلوم من الدين بالضرورة، والإجماع قائم عليه، وشاربها مستحلاً كافر، وغير مستحل فاسق إذا شربها في حال التكليف والاختيار.
          وأما قوله: ((لا يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر وهو مؤمن)) فهو أشد ما جاء في شارب الخمر، وقد تعلق بظاهره الخوارج، فكفروا بالذنوب وكذا المعتزلة: أن الفاسق المسلم لا يسمى مؤمناً، والذي عليه أهل السنة وعلماء الأمة أن المراد مستكمل الإيمان؛ لأنهما أنقص حالاً ممن لم يأت شيئاً منها لا محالة؛ لا أنه كافر بذلك، وسأتقصى مذاهب العلماء في تأويله في الحدود إن شاء الله تعالى.
          وأبعد من حمله على الفعل مستحلاً أو عظم ذنبه حتى قارب الكفر أو لا يكون آمناً من العذاب.
          قال ابن حزم: وروينا من حديث أبي هريرة مسنداً: يخلع منه الإيمان كما يخلع سرباله، وإذا رجع رجع إليه الإيمان.
          وفي حديث ابن عباس أنه سئل عن ذلك فشبك بين أصابعه ثم زايلها، وفي لفظ عنه: لا يزني الزاني إلا خلع الله ربقة الإيمان منه، فإن شاء أن يرده إليه رده وإن شاء أن يمنعه منعه.
          وإنما أدخل (خ) هذه الأحاديث في هذا الباب والله أعلم بالوعيد والتشديد في الخمر ليكون عوضاً من حديث ابن عمر الثابت في (م)، أنه ◙ قال: ((كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب في الدنيا فمات وهو مدمنها [و]لم يتب منها لم يشربها في الآخرة)).
          وفي رواية له: ((كل مسكر خمر وكل خمر حرام)).
          قال ابن بطال: وإنما لم يخرجه في صحيحه؛ لأنه يروى موقوفاً فلذلك تركه، وسيأتي بعد الخوض في ذلك.
          وأول أيضاً بمعنى حرمها في الآخرة أنه في وقت دون غيره كقوله: ((نساء كاسيات عاريات)) الحديث؛ لأنه لو حرمها في الجنة أبداً لكانت عقوبة شربها تتبعه في الجنة، وكل من دخلها فهو مغفور له، ذكره ابن التين، قال: وقيل: ينساها فلا تجري له على بال، وقيل: تسلب شهوتها.
          وقال القرطبي: ظاهر الحديث / تأييد التحريم، وإن دخل الجنة فيشرب من جميع أشربتها إلا الخمر، ومع ذلك فلا يتألم لعدم شربها، ولا يحسد من يشربها، ويكون حاله كحال أصحاب المنازل في الخفض والرفعة، فكما لا يشتهي منزلة من هو أرفع منه وليس ذلك بعقوبة له، قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} [الحجر:47] وقيل: إنه يعذب في النار فإذا خرج منها بالرحمة أو الشفاعة ودخل الجنة لم يحرم شيئاً، وكذا قولنا في لبس الحرير والشرب في آنية الذهب والفضة.
          وأول أقضاء أشراط الساعة: علاماتها، واحدها شرط بفتح الشين والراء.
          قوله: (حتى يكون بخمسين امرأة قيمهن رجل واحد) يحتمل أن يريد نساء أو سراري، وأن يريدهما وذوات المحارم معهما، ذكره ابن التين والظاهر أنه كناية عن كثرة النساء وقلة الرجال.
          جاء في أحاديث أن الله حرم شربها وحرم بيعها فمن جوز بيعها لأهل الذمة فقد خالفها، روينا من حديث حماد بن أبي حنيفة، عن أبيه، عن محمد بن قيس، عن أبي عامر الثقفي: أنه كان يهدي لرسول الله كل عام راوية خمر فأهدى له راوية في العام الذي حرمت فيه الخمر، فقال له ◙: ((إن الذي حرم شربها حرم بيعها)) وروي أن تميماً(1) هو المهدي.
          وروينا في ((سنن أبي داود)) من حديث ابن عمر ☻ أن رسول الله صلعم لعن في الخمر عشرة منها: بائعها ومبتاعها(2). وفي إسناده عبد الرحمن الغافقي، قال ابن معين: لا أعرفه، وذكره ابن يونس في ((تاريخه)) وأوضح أنه معروف.
          وهو حجة على كراهة بيع العصير فيمن يتخذه خمراً، قال ابن عبد البر: وروي عن أنس أنها لما حرمت جاء رجل إلى رسول الله، فقال: كان عندي مال ليتيم فاشتريت به خمراً أفتأذن لي أن أبيعها فقال: ((قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها)) ولم يأذن له في بيع الخمر.
          قال: والمسلم لا يثبت له على الخمر تلك بحال، كما لا يثبت على الميتة والدم والخنزير والصنم.
          وقوله: (الذي حرم شربها حرم بيعها) إجماع من المسلمين كافة لا يحل لمسلم بيعها ولا التجارة فيها، وعن ابن عباس: أن جبريل قال: يا محمد، إن الله لعن الخمر وبائعها ومبتاعها. الحديث.
          واختلف في اشتقاق اسم الخمر على ألفاظ قريبة المعاني، متداخلة كلها موجودة المعنى في الخمر إما لأنها تخمر العقل أي: تغطيه وتستره أو الدماغ، ومنه الخمار؛ لأنه يغطي الرأس، قال النحاس: وهو أصح ما فيه وفي ((الأشربة)) لأحمد عنه: ما خمرته وعتقته فهو خمر.
          وفي لفظ: ما عتقت وخمرت فهي خمر، وإما لأنها صعد صفوها ورسب كدرها، كما قاله سعيد بن المسيب، وإما لأنها من المخامرة وهي المخالطة؛ لمخالطتها العقل، أو لأنها تركت حتى أدركت، يقال: خمر العجين أي بلغ إدراكه.
          وهي مؤنثة، وقد تذكر، ونعوتها موبقات كما قال الفراء، ولها أسماء كثيرة وكنى ذكره ابن المعتز مائة وعشرة، وزاد عليه أبو القاسم اللغوي مائتين وأربعين اسماً، ومن كناها: أم ليلى، ومن أسماء[ها]: الدم والسيلان والمأذي والمزة وأم زنبق والساهرة والمفتاح والمنومة والديانة وعبد النور.
          وفي كتاب أبي حنيفة الدينوري من أسمائها: الفضيخ والطلاء والباذق وثقيف والبتع.
          قال ابن قتيبة في كتاب ((الأشربة)): حرم الله بالكتاب الخمر وبالسنة السكر، وعوضاً منهما صنوف الشراب من اللبن والعسل وحلال النبيذ، وليس في شيء مما وقع فيه الحظر والإطلاق شيء اختلف فيه الناس اختلافهم في الأشربة وكيف ما حل فيها، وما يحرم على قديم الأيام مع قرب العهد بالرسول صلعم / وتوافر الصحابة وكثرة العلماء المأخوذ عنهم المقتدى بهم، حتى يحتاج ابن سيرين مع بارع علمه أن يسأل عبيدة السلماني عن النبيذ، حتى يقول عبيدة وقد لحق خيار الصحابة وعلماءهم منهم، علي وابن مسعود: اختلف علينا في النبيذ. وفي رواية: أحدث الناس أشربة كثيرة فمالي شراب منذ عشرين سنة إلا لبن أو ماء أو عسل.
          وإن شيئاً وقع الاختلاف فيه في ذلك العصر بين أولئك الأئمة لحري أن يشكل على من بعدهم وتختلف فيه آراؤهم ويكثر فيه تنازعهم، وقد أجمع الناس على تحريم الخمر إلا قوماً من مجان أصحاب الكلام وفساقهم عمن لا يعبأ الله بهم فإنهم قالوا: ليست محرمة وإنما نهى الله عن شربها تأديباً، كما أمر في الكتاب بأشياء ونهى فيه عن أشياء على جهة التأديب وليس منها ما هو فرض كقوله: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور:33] وقوله: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34] وكقوله: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [الإسراء:29].
          قالوا: لو أراد تحريمها لقال: حرمت عليكم الخمر كما ذكر في الميتة وغيرها. وليس للشغل بهؤلاء وجه ولا تشقيق الكلام بالحجج عليهم معنى، إذ كانوا ممن لا يجعل حجة على إجماع.
          وكان جماعة من الصحابة حرموها على أنفسهم في الجاهلية لعلمهم بسوء مصرعها وكثرة جناياتها، قالت عائشة: ما شرب أبو بكر خمراً في جاهلية ولا إسلام.
          وقال عثمان كذلك، وكان عبد الرحمن بن عوف ممن ترك شربها، وقيل للعباس بن مرداس في جاهليته: لم لا تشرب الخمر فإنها تزيد في جرأتك؟ فقال: ما أنا بآخذ جهلي بيدي فأدخله في جوفي، وأصبح سيد قومي وأمسي سفيههم.
          وكان عثمان بن مظعون حرمها في الجاهلية وقال: لا أشرب شراباً يذهب عقلي ويضحك بي من هو دوني، فبينا هو بالعوالي أتاه آت فقال: أشعرت أن الخمر قد حرمت؟ وتلا عليه آية المائدة، فقال: تباً لها لقد كان بصري فيها نافذاً.
          وذكر أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي في كتابه ((اختلاف العلماء)): أن سفيان قال: أشرب العصير ما لم يغلي، وغليانه أن يقذف بالزبد فإذا غلا فهو خمر، ولذلك قال أصحاب الرأي، وهو قول الشافعي.
          وقال أحمد وإسحاق: يشرب العصير ما لم يغل، أو يأتي عليه ثلاثة أيام، فإذا أتى عليه ثلاثة أيام لم يشرب غلا أو لم يغل، واحتجوا بحديث ابن عمر: أشرب العصير ما لم يأخذه شيطانه قال: ومتى يأخذه شيطانه، قال في ثلاثة أيام.
          وقال الشافعي: ما دام العصير حلواً لم يشتد فهو حلال وسواء أتى عليه ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر إذا لم يتغير عن حاله وكان حلواً مثل أول عصره.
          قال النحاس: أوقع قوم شبهه فقالوا: الخمر هي المجمع عليها ولا يدخل فيها ما اختلف فيه وهذا ظلم من غلط القول يجب على قائله ألا يحرم شيئاً اختلف فيه.
          وقد قال ابن المبارك: ما صح تحليل النبيذ الذي سكر كثيره عن أحد من الصحابة ولا التابعين إلا عن إبراهيم النخعي.
          قال أبو جعفر: ومما تبين أن الخمر يكون من غير عصير العنب من لفظ رسول الله صلعم وأصحابه ومن اللغة والاشتقاق ما رواه أبو هريرة ☺ قال رسول الله صلعم: ((الخمر من النخلة والعنب)) وفي لفظ: ((في هاتين الشجرتين النخلة والعنب))، وخالف ذلك قوم فقالوا: لا تكون إلا من العنب، ونقضوا قولهم فقالوا: نقيع التمر والزبيب خمر؛ لأنه لم يطبخ.
          وقد ذكر (ن) عن النعمان بن بشير يرفعه: ((الخمر من خمسة من الحنطة والشعير والتمر والزبيب والعسل وما خمرته فهو خمر))، وكذا ذكره عمر بن الخطاب على المنبر.
          قال أبو جعفر: وفي هذه الأحاديث تصحيح قول من قال: إن ما أسكر كثيره فقليله حرام عن رسول الله صلعم والصحابة.
          وعبارة أبي الليث السمرقندي في ((التنبيه)) أخبر ◙ أن كل مسكر فهو حرام يعني: ما كان مطبوخاً أو غير مطبوخ وشارب / المطبوخ أعظم ذنباً وإثماً من شارب الخمر؛ لأن من شرب الخمر يكون عاصياً فاسقاً، ومن شرب المطبوخ يخاف أن يكون كافراً؛ لأن شارب الخمر مقر بأنه حرام وشارب المطبوخ معتقد حله.
          قال أبو جعفر النحاس: ثم كان الصحابة على ذلك وبه يفتون أشدهم فيه علي بن أبي طالب يخاطبهم بأن ما أسكر كثيره فقليله حرام.
          ثم إن ابن [عمر] لما سئل عن نبيذ ينبذ بالغداة ويشرب بالعشي فقال للسائل: أنهي عن قليل ما أسكر كثيره، وإني أشهد الله عليك، فإن أهل خيبر يشربون شراباً يسمونه كذا وهي الخمر، وإن أهل فدك يشربون شراباً يسمونه كذا وهي الخمر، وإن أهل مصر يشربون شراباً من العسل يسمونه البتع وهي الخمر، ثم عائشة لما سئلت عن غير عصير العنب فقالت: صدق الله ورسوله سمعت رسول الله يقول: ((يشرب قوم الخمر يسمونها بغير اسمها)) فلم يزل الذين يروون هذه الأحاديث يحملونها على هذا عصراً بعد عصر، حتى عرض فيها قوم قالوا: المحرم الشربة الأخيرة التي تسكر.
          وقالوا: معنى ((كل مسكر حرام)) على القدح الذي يسكر، وهذا خطأ من جهة اللغة وكلام العرب؛ لأن كلاً معناها العموم، فالقدح الذي يسكر والجنس كله مسكر، وقد حرم الشارع الكل فلا يجوز الاختصاص إلا بتوقيف.
          وقال الأوزاعي: قلت للثوري: إن أنت لا تسألني يوم القيامة لم لم تشرب النبيذ ويسألني: لم شربته فقال: لا أفتي به أبداً، وقال أبو يوسف: في أنفسنا من الفتيا به أمثال الجبال ولكن عادة البلد.
          قال أبو عمر: عند أبي يوسف من قعد يريد السكر فالقدح الأول عليه حرام كما أن الزنا عليه حرام، والمشي إليه حرام وإن قعد وهو لا يريد السكر فلا بأس.
          وقال (ن): أول من أحل السكر إبراهيم.


[1] في المخطوط: ((ثمنها)) ولعل الصواب ما أثبتناه.
[2] في هامش المخطوط: أقول: تمام العشرة شاربها وحاضرها وجالبها وعاصرها ومعتصرها.