مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب شراب الحلواء والعسل

          ░15▒ باب شرب الحلواء والعسل
          وقال الزهري: لا يحل شرب بول الناس، وقال ابن مسعود في السكر: إن الله لم يجعل شفاءكم الحديث.
          ثم ساق من حديث عائشة قالت: كان النبي صلعم يعجبه الحلواء والعسل وسلف.
          وقول الزهري: أخرجه عبد الرزاق عن معمر، عنه.
          وعندنا يجوز التداوي بالبول وغيره من النجاسات خلا الخمر والمسكرات.
          قال ابن التين: وشرب البول إن كان لغير ضرورة فهو حرام؛ لأن الشارع سماه خبثاً، فقال: ((ولا وهو يدافعه الأخبثان)).
          وقال تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [الأعراف:157] وعند الشدة هو كالميتة قال: وتعليل الزهري بأنه رجس غير ظاهر؛ لأن الميتة والدم ولحم الخنزير رجس أيضاً، ولعله يريد أن الرخصة لم ترد فيه بخلافهما فبقي على أصله في التحريم وما ذكره غير ظاهر.
          وقيل: إنهما يحبسان العطش والبول لا يقطع العطش فإن صح هذا فلا يباح لانتفاء الفائدة.
          وقال ابن بطال: أبوال الناس مثل الخمر والميتة في التحريم، ولم يختلفوا في جواز أكل الميتة عند الضرورة، فكذلك البول والفقهاء على خلاف قول ابن شهاب وإنما اختلفوا في جواز شرب الخمر عند الضرورة فقال مالك: لا يشربها؛ لأنها لا تزيده إلا عطشاً وجوعاً، وأجاز أبو حنيفة أن يشرب منها مقدار ما يمسك به رمقه.
          والأصح عندنا أنه لا يجوز تعاطيها لعطش ولا لتداو.
          وأثر ابن مسعود أخرجه ابن أبي شيبة عن جرير، عن منصور، عن أبي وائل أن رجلاً [أصابه] الصفر فسأل عبد الله عن ذلك فقال: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم.
          وعند أحمد: اسم الرجل خثيم بن العداء، قال أبو داود: وقول ابن مسعود في السكر هو الحق؛ لأن الله حرم الخمر ولم يذكر فيها ضرورة وأباح في الضرورة الميتة ولحم الخنزير، ففهم الداودي أن ابن مسعود تكلم على استعمال الخمر عند الضرورة وليس كذلك، فإنما تكلم على التداوي به، [وذلك أن التداوي به] يجد الإنسان مندوحة عنه بغيره، ولا يقطع نفعه بخلاف استعمال الميتة وأخواتها للضرورة وهي الجوع، وقد اختلف في السكر فقيل: هو الخمر وبه جزم الدمياطي وقيل: ما كان شربه حلالاً كالنبيذ والخل، وقيل: هو النبيذ.
          قال الجوهري: هو نبيذ التمر.
          وحديث عائشة في إسناده أبو أسامة وهو حماد بن أسامة مات سنة إحدى ومائتين وفيها مات معروف الكرخي، وسلف أن الحلواء فيها ثلاثة أقوال: قول الخطابي: أنها ما تصنع من العسل ونحوه.
          وقال الداودي: هو النقيع الحلو، وعليه يدل تبويب (خ) شرب الحلواء، وقال أيضاً: هو التمر ونحوه من الثمار، وعبارة ابن بطال: الحلواء: كل شيء حلو.
          وفيه من الفقه أن الأنبياء والصالحين والفضلاء يأكلون الحلاوات والطيبات ولا يتركونها للشقاء، وقد نزع ابن عباس أكل الطعام الطيب بقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف:32] الآية، ومداره على أن / الطيبات الحلال فكل ما كان حلالاً حلواً كان أو حامضاً فهو طيب لمن استطابه.
          قال ابن المنير: ترجم (خ) على شيء وأعقبه بضده يشير إلى أن الطيبات هي الحلال لا الخبائث والحلواء من الطيبات، وأشار بقول ابن مسعود إلى أن كون الشيء شفاء ينافي كونه حراماً، والعسل شفاء فوجب أن يكون حلالاً، ثم عاد إلى ما يطابق الترجمة المعهودة التي يتعاطى المترفون، وإنما هي شيء يشرب إناء عسل بماء أو غير ذلك مما يشاكله.
          ويجوز أن يقال: شرب الحلواء والعسل؛ لأن العرب لا تعرف هذه الحلواء المعقودة التي هي الآن معهودة، وإن أطلقوا الاسم فما أظنهم والله أعلم أطلقوه إلا على الحلو كالعسل والماء المنبوذ فيه التمر وغيره.
          وقد نبه عليه (خ) في الترجمة باب: شرب الحلواء والعسل، والحلواء التي بأيدي الناس التي يطلقون عليها هذا الاسم لا تشرب فتعين أن المقصود ما يمكن شربه وهو الماء المنبوذ فيه التمر ونحوه، وكذلك العسل.
          فإن قيل: قد قال في الترجمة: والعسل والحلو يشمل كل حلو عسلاً وغيره فتقول هذا من قبيل التخصيص بعد التعميم وهي قاعدة معلومة لقوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن:68] ولا يخلو هذا النوع من التخصيص من فائدة، ويحتمل أن تكون البينة على جواز شرب العسل إذ قد يتخيل أن شربه من السرف.