مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه

          ░6▒ باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه
          وقال هشام بن عمار: ثنا صدقة بن خالد...إلى آخره هذا الحديث وصله الإسماعيلي فقال: ثنا الحسن بن سفيان قال: ثنا هشام، فذكره، وقال أبو عامر: ولم يشك ووصله أيضاً أبو نعيم الحافظ، فقال: أنا أبو إسحاق بن حمزة، ثنا عبدان، ثنا هشام، ووصله أيضاً (د) فقال: ثنا عبد الواحد بن نجدة، عن بشر بن بكير، ثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وهذا أيضاً على شرط الصحيح، وكأن (خ) أخذه عن هشام مذاكرة.
          قوله: (الحر): هو مما اختلف الحفاظ في ضبطه، فأما (د) فأدخله في ((سننه)) في باب ما جاء في الحر من كتاب اللباس، وأما ابن ناصر الحافظ فزعم أن صوابه كما رواه الحفاظ بالحاء المهملة المكسورة والراء والتخفيف. وحكى المحب الطبري وغيره كما ستعلمه التشديد أيضاً، قال ابن بطال: الحر: الفرج، وليس لمن تأوله من صحيفة، فقال: الخز من أجل مقارنته للحرير فاستحل التصحيف بالمقارنة مع أنه ليس في الخز تحريم.
          وقال ابن التين منع (خ) من الاستدلال على مراده في الترجمة بقوله: ((من أمتي)) فإن كونهم من الآية يبعد معه أن يستحلوها بغير تأويل ولا تحريف فإن ذلك مجاهرة بالخروج عن الآية أو تحريم الخمر معلوم ضرورة فهذا شرط مطابقة الترجمة لهذه الزيادة.
          وقال ابن التين عن الداودي يحتمل أن يريد بـ((أمتي)) من يسمى بهم ويستحل ما لا يحل فهو كافر إن أظهر ذلك ومنافق إن أسره، أو يكون يرتكب المحارم تهاوناً واستخفافاً، فهو تقارب الكفر والذي يصح في النظر أن هذا لا يكون إلا ممن يعود على رحمه في المعاد.
          قوله: (الخز) قال ابن الجوزي: إنه الخز بالخاء والزاي معروف، وقد جاء في حديث يرويه أبو ثعلبة عن النبي صلعم: ((يستحل الحر والحرير)) [يراد به] استحلال الحرام من الفروج، فهذا بالحاء والراء المهملتين وهو مخفف فذكرنا هذا، لئلا يتوهم أنهما شيء واحد.
          وقال ابن التين: يريد والله أعلم ارتكاب الفروج بغير حله وهو الزنا، وإن كان أهل اللغة لم يذكروا هذه اللفظة لهذا المعنى، وكذلك العامة تستعمله بكسر الحاء، وكذا روي.
          وقال الداودي: أحسب أن قوله: ((من الخز)) ليس بمحفوظ؛ لأن كثيراً من الصحابة لبسوه، قال: ويحتمل إن كان محفوظاً أن يريد جمع الحر والحرير، لعله يريد الحر جمع حرير مثل: حمير وحمر وقال القاضي وصاحب ((المطالع)): مخفف الراء، فرج المرأة، ورواه بعضهم بشد الراء، والأول أصوب، وقيل: أصله بالياء بعد الراء فحذفت. وقال ابن الأثير: ذكره أبو موسى في حرف الحاء والراء، وقال: الحر بتخفيف الراء: الفرج، وأصله حرح بكسر الحاء وسكون الراء، وجمعه أحراح، ومنهم من شدد الراء، وليس بجيد، والمشهور في رواية هذا الحديث بالخاء والزاي وهو ضرب من ثياب الإبريسم معروف.
          وقال المنذري: أورد (د) هذا الحديث في باب ما جاء في الخز كذا الرواية، فدل على أنه عنده كذلك، وكذا وقع في (خ)، وهي ثياب معروفة لبسها غير واحد من الصحابة والتابعين، فيكون النهي عنه لأجل التشبه بالعجم وزي المترفين.
          معنى قوله: (يستحلون الحرير) أي: يستحلون النهي عنه، أو النهي في كتاب الله من الشارع متوعد عليه بقوله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور:63] / .
          والمعازف _بالزاي_ آلات اللهو، قاله في ((الصحاح)) وعبارة صاحب ((العين)): المعازف: جمع معزفة وهي آلة اللهو.
          ونقل القرطبي عن الجوهري: أن المعازف: الغناء والذي في ((صحاحه)) ما قدمته، وعبارة ابن التين: المعازف: الملاهي، والعازف: اللاهي. وبخط الدمياطي: المعازف الدفوف وغيرها مما يضرب، وقيل: إن كل لعب عزف، وعزف: غنى.
          قوله: (ولينزلن أقوام إلى حيث علم...) الحديث هو من أعلام نبوته، فإن وقع ما أنذر به فذاك وإلا فيشفع لقوله في حديث عبادة: ((ليستحل آخر أمتي الخمر)) فدل أن كل ما أنذر به من ذلك يكون في آخر الإسلام.
          و(العلم) بفتح العين واللام: الجبل؛ أي: بجوار جبل وجمعه: أعلام، قال تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الرحمن:24] وقال الداودي: العلم: رأس الجبال، وكل شيء يعرفه أهل الطريق، وأهل اللغة على أنه الجبال، زاد الخطابي: المرتفع.
          والسارحة: الماشية التي تسرح بالغداة إلى رعيها تقول: أرحت الماشية واسمتها وسرحتها وسرحت بالغداة وراحت بالعشي، ومعنى تروح عليهم أي بالعشي.
          قوله: (فيبيتهم الله) أي: يهلكهم ليلاً، والبيات إبيات العدو ليلاً قال تعالى: {أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ} [الأعراف:97] قوله: (ويضع العلم) أي: يرمى بالجبل أو يخسف به. قال ابن بطال: إن كان العلم بناء فنهدمه، وإن كان جبلا فندكدكه وهكذا إن كان غيره.
          وقوله: (ويمسخ آخرين قردة وخنازير) يعني ممن لم يهلكهم في البيات، والمسخ في حكم الجواز في هذه الأمة إن لم يأت خبر برفع جوازه.
          وقد رويت أحاديث لينة الأسانيد: ((إنه سيكون في أمتي خسف ومسخ)) عن رسول الله ولم يأت ما يرفع ذلك.
          وقال بعض العلماء: معنى ما روي عن رسول الله أنه يكون في هذه الأمة مسخ، فالمراد به مسخ القلوب حتى لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً، وقد جاء عن رسول الله أن القرآن يرفع من صدور الرجال وأن الخشوع والأمانة تنزع منهم، ولا مسخ أكثر من هذا، وقد يجوز أن يكون الحديث على ظاهره فمسخ الله من أراد تعجيل عقوبته، كما قد خسف بقوم وأهلكهم بالخسف والزلازل، وقد رأينا هذا عياناً، فكذلك يكون المسخ. قاله ابن بطال.
          وقال الخطابي: فيه بيان أن المسخ سيكون في هذه الأمة كسائر الأمم خلافاً لمن زعم أن ذلك لا يكون وإنما مسخها بقلوبها.
          وقال الداودي في قوله: ((لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين))... إلى آخره، فيه دليل أن هذه الأمة لا تأمن أن يصيب بعضهم ما أصاب أولئك إذا عصوا.
          قلت: في المسخ قردة وخنازير أحاديث من طرق:
          روى سعيد بن منصور بسنده عن أبي هريرة مرفوعاً: ((يمسخ قوم من أمتي آخر الزمان قردة)) قالوا: يا رسول الله ويشهدون أنك رسول الله وأن لا إله إلا الله. قال: ((نعم، ويصومون ويصلون ويحجون)) قالوا: فما بالهم يا رسول الله؟ قال: ((اتخذوا المعازف والقينات والدفوف، ويشربون هذه الأشربة، فباتوا على لهوهم وشرابهم فأصبحوا قردة وخنازير)).
          قال (ت): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ورواه أبو عبد الله بن منجويه في كتابه ((أشراط الساعة)) عن أبي هريرة بنحوه ورواه غيره بنحوه.
          وفي (ت) من حديث علي مرفوعاً: ((إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة جل بها البلاد فذكرها وفيه: وشربت الخمور ولبس الحرير والحديث القينات والمعارف فارتقبوا عند ذلك ثلاثاً ريحاً حمراء وخسفاً ومسخاً ثم قال: حديث غريب.
          وفي ((نوادر ت)) عن أبي أمامة يرفعه: ((يكون في أمتي فزعة فيصير الناس إلى علمائهم، فإذا هم قردة وخنازير)).
          وللترمذي وقال: صحيح عن ابن عمر مرفوعاً: ((يكون في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف في أهل القدر)).
          فائدة: في بعض الأخبار عنه ◙: ((يأتي على الناس زمان يستحل فيه الربا / بالبيع، والخمر بالنبيذ، والبخس بالزكاة، والسحت بالهدية، والقتل بالموعظة)) يريد: بالبخس النقصان ويريد به المكس، وما يأخذه الولاة يتأولون فيه الزكاة وهو مكس.
          قوله: ((القتل بالموعظة)) أي: يقتل البريء؛ ليتعظ به العامة.