إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها

          5241- وبه قال: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ) قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) قال: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) سليمان بن مهران (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (شَقِيقٌ) أبو وائل بن سلمة (قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ) يعني: ابن مسعود (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : لَا تُبَاشِرِ المَرْأَةُ المَرْأَةَ) في ثوب واحدٍ (فَتَنْعَتَهَا) فتصفها (لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا) وزاد النَّسائيُّ من طريق مسروق عن ابن مسعودٍ: «ولا الرَّجل الرَّجل» وهذه الزِّيادة عند مسلم وأصحاب السُّنن من حديث أبي سعيد بأبسط من هذا، ولفظه: «لا ينظر الرَّجلُ إلى عورة الرَّجل، ولا تنظر المرأة إلى عورةِ المرأةِ، ولا يفضِي الرَّجل(1) إلى الرَّجلِ في الثَّوب الواحدِ، ولا تفضي‼ المرأةُ إلى المرأة في الثَّوب الواحدِ» ففيه: أنَّه يحرم نظرُ الرَّجل إلى عورةِ الرَّجل والمرأةُ إلى عورةِ المرأةِ، والرَّجلُ إلى عورة المرأةِ، والمرأةُ إلى عورةِ الرَّجلِ بطريق الأولى. نعم يباح للزَّوجين أن ينظرَ كلٌّ منهما إلى عورة الآخرِ، ولو إلى الفرج ظاهرًا وباطنًا لأنَّه محلُّ تمتُّعه، لكن يكره نظر الفرجِ حتَّى من نفسه بلا حاجة، والنَّظر إلى باطنه أشدُّ كراهة. قالت عائشةُ ♦ : ما رأيتُ منه ولا رأى منِّي. أي: الفرج، وحديث: «النَّظر إلى الفرجِ يورثُ الطَّمسَ» أي: العمى. رواه ابن حبَّان وغيره في «الضُّعفاء»، وخالف ابن الصَّلاح فقال: إنَّه جيد الإسناد، محمولٌ على الكراهةِ كما قاله الرَّافعيُّ، واختلف في قوله: «يورثُ العمى» فقيل: في النَّاظر، وقيل: في الولد، وقيل: في القلبِ، والأَمَةُ كالزَّوجة. ولو نظر فرج صغيرة لا تُشتهى جاز لتسامحِ النَّاسِ بنظر فرج الصَّغيرةِ إلى بلوغها سنَّ التَّمييزِ ومصيرها بحيث يمكنها ستر عورتها عن النَّاس، وبه قطع القاضي، وجزمَ في «المنهاج» بالحرمة، لكن استثنى ابن القطَّان الأم زمن الرَّضاعِ والتَّربية للضَّرورة، أما فرج الصَّغير فيحل النَّظر إليه ما لم يميِّز، كما صحَّحه المتولِّي، وجزم به غيره ونقله السُّبكي عن الأصحاب. ويحرم اضطجاع رجلين أو امرأتين في ثوبٍ واحدٍ إذا كانا عاريينِ لما ذكر في الحديث السَّابق، لكن تستثنى المصافحة بل تستحبُّ لحديث أبي داود: «ما من مسلمينِ يلتقيان فيتصافحانِ إلَّا غفرَ لهما قبل أن يتفرَّقا» ويستثنى الأمرد الجميلُ الوجه(2) فتحرم مصافحته، ومن به عاهةٌ كالأبرص والأجذم فتكره مصافحتُه كما قاله العبَّاديُّ، وتكره المعانقةُ(3) والتَّقبيل في الرَّأس والوجه، ولو كان المقبِّل أو المقبَّل صالحًا لحديث رواه التِّرمذيُّ وحسَّنه، ولفظه: قال رجل: يا رسول الله، الرَّجل منا يلقى أخاهُ أو صديقهُ أينحني لهُ؟ قال: «لا». قال: أفيلتزمهُ ويقبِّله؟ قال: «لا». قال: فيأخذُ بيده ويصافحهُ؟ قال: «نعم». نعم يستحبان(4) لقادم لحديث التِّرمذيِّ وحسَّنه، كتقبيل الطِّفل ولو وَلَدَ غيره شفقةً لأنَّه صلعم قبَّل ابنه إبراهيم والحسن بن عليٍّ، وكتقبيل يد الحيِّ(5) لصلاح، كما كانت الصَّحابة تفعله مع النَّبيِّ صلعم . نعم يكره ذلك لغناه ونحوه من الأمور الدنيويَّةِ / ، كشوكته ووجاهتهِ لحديث: «من تواضعَ لغني لغناه ذهب ثلثا دينهِ». وقد أورد البخاريُّ هذا الحديث من طريقين: الأولى بالعنعنة، والثَّانية بالسَّماع، والظَّاهر أنَّ قوله: «فتنعتها» من قوله صلعم خلافًا لما ذُكِرَ عن الدَّاوديِّ أنَّه من كلام ابن مسعود.


[1] قوله: «إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل» ليس في (ص).
[2] «الوجه»: ليست في (د).
[3] في (د): «المصافحة».
[4] في (ص): «يستحبا»، وفي (د) و(م): «تستحب للقادم».
[5] في (د): «أخي» وهو تحريف.