إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك

          5224- وبه قال (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثني“ بالإفراد (مَحْمُودٌ) هو ابنُ غيلانَ، بالغين المعجمة المروزيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ) حمَّاد بن أسامةَ قال: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (أَبِي) عروة بن الزُّبيرِ (عَنْ) أمِّه (أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ☻ ) أنَّها (قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ) بن العوَّام بمكَّة (وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَالٍ) إبل أو أرض للزِّراعة (وَلَا مَمْلُوكٍ) عبدٍ ولا(1) أمةٍ (وَلَا شَيْءٍ) من عطف العام على الخاصِّ (غَيْرَ نَاضِحٍ) بعير يستقي عليه (وَغَيْرَ فَرَسِهِ) أي: وغير ما لا بدَّ له منه من مسكنٍ ونحوهما (فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ) زاد مسلم: «وأكفيهِ مؤونتهُ، وأسوسهُ، وأدقُّ النَّوى لناضحهِ، وأعلفهُ». وعنده أيضًا من طريق أخرى: «كنت أخدمُ الزُّبير خدمةَ البيت، وكان له فرسٌ وكنت أسوسه، فلم يكن من خدمتهِ(2) شيءٌ أشد عليَّ(3) من سياسة الفرسِ، كنت أحتشُّ له وأقوم عليه» (وَأَسْتَقِي) بالفوقية بعد السين المهملة، وللكُشمِيهنيِّ: ”وأسقي“ بإسقاطها، أي: وأسقي النَّاضح أو(4) الفرس (المَاءَ) والرِّواية الأولى أشملُ معنى وأكثرُ فائدةً، ولم تستثنِ الأرضَ الَّتي كان أقطعها له النَّبيُّ صلعم لأنَّه لم يكن يملك أصل الرَّقبة بل منفعتها فقط (وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ) بخاء وزاي معجمتين بينهما راء، وغَرْبَه: بفتح الغين المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة، أي: وأخيطُ دلوهُ (وَأَعْجِنُ) دقيقه (وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ) بضم همزة أُحسن، وفتحها في أَخبز، مع كسر الموحدة (وَكَانَ) أي: لما قدمنا المدينة من مكَّة (يَخْبِزُ) خبزي (جَارَاتٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ‼، وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ) بإضافتهنَّ إلى الصِّدق مبالغةً في تلبُّسهنَّ به، وفي حسنِ العشرةِ والوفاءِ بالعهد (وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ) إيَّاها (رَسُولُ اللهِ صلعم ) ممَّا أفاءَ الله عليه صلعم من أموال بني النَّضير (عَلَى رَأْسِي وَهْيَ مِنِّي) أي: من مكان سكني (عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ) بتثنية ثلث، والفرسخ: ثلاثة أميالٍ، وكلُّ ميلٍ أربعةُ آلاف خطوةٍ (فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي، فَلَقِيتُ رَسُولَ اللهِ صلعم وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ: إِخْ إِخْ) بكسر الهمزة وسكون الخاء المعجمة، ينيخُ بعيرهُ (لِيَحْمِلَنِي) عليه (خَلْفَهُ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ، وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ، وَكَانَ أَغْيَرَ النَّاسِ) أي بالنِّسبة إلى علمها، أو إلى أبناءِ جنسهِ، وعند الإسماعيليِّ: «وكان من أغيرِ النَّاس» (فَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلعم أَنِّي قَدِ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى، فَجِئْتُ الزُّبَيْرَ فَقُلْتُ) له: (لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صلعم وَعَلَى رَأْسِي النَّوَى وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَنَاخَ) بعيره (لأَرْكَبَ) خلفهُ (فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ، فَقَالَ) لها الزُّبير: (وَاللهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ) صلعم إذ لا عار فيه، بخلاف حمل النَّوى فإنَّه ربَّما يتوهَّم منه خسة نفسهِ ودناءةَ همَّته، واللام في «لَحملك» للتأكيد، و«حملك»: مصدر مضاف لفاعله، و«النَّوى»: مفعوله، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”أشدَّ عليك“ بزيادة كاف (قَالَتْ): ولم أزل أخدمُ (حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ يَكْفِينِي) بالتحتية والفوقية المصحح عليها بالفرع كأصله (سِيَاسَةَ الفَرَسِ، فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي) وفيه: أنَّ على المرأة القيامَ بخدمة ما يحتاج إليه بعلها، ويؤيِّده قصَّةُ فاطمةَ وشكواها ما تلقى من الرَّحى، والجمهور على أنَّها متطوِّعةٌ بذلك، أو يختلف باختلاف عوائد البلادِ.
          وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «الخمس» مقتصرًا على قصَّة النَّوى [خ¦3151]، ومسلم في «النِّكاح»، والنَّسائيُّ في «عشرة النِّساء».


[1] في (م): «أو».
[2] في (م): «خدمة».
[3] «علي»: ليست في (ص).
[4] في (ب): «و».