إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أوإنكم لتفعلون ما من نسمة كائنة إلى يوم

          5210- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ) بنِ عبيدِ بنِ مِخْراقٍ الضُّبَعيُّ البصريُّ قال‼: (حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ) بنُ أسماء بنِ عبيدٍ الضُّبَعيُّ البصريُّ، وهو عمُّ عبد الله السَّابق (عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ) الإمام (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بنِ مسلمِ ابنِ شهابٍ (عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ) بالحاء المهملة والراء والزاي مصغَّرًا، عبد الله الجمحيِّ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ) ☺ أنَّه (قَالَ: أَصَبْنَا سَبْيًا) أي: جواري أخذنَاها من الكفَّار أُسراءَ في غزوةِ بني المصطلق، وفي روايةِ ربيعةَ في «المغازي»: «فسبينا كرائمَ العربِ، وطالَت علينا الغربةُ»(1) (فَكُنَّا نَعْزِلُ) عنهنَّ كراهةَ مجيءِ الولد من الأمة أنفةً، أو خوفَ تعذُّر بيع الأمة إذا صارَت أمَّ ولدٍ، أو فرارًا من كثرةِ العيالِ إذا كان مقلًّا، فيرغب في قلَّةِ الولدِ لئلَّا يتضرَّر بتحصيلِ الكَسبِ(2)، أو غير ذلك، وزاد ربيعةُ: فقلنا: نفعلُ ذلك ورسول الله صلعم بين أظهرنا(3) لا نسألهُ (فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صلعم ، فَقَالَ) ╕ : (أَوَإِنَّكُمْ) بفتح الهمزة والواو (لَتَفْعَلُونَ) العزلَ المذكور؟ (قَالَهَا ثَلَاثًا) وظاهره: أنَّه ╕ ما كان اطَّلعَ على فعلهم ذلك. واستشكلَ مع قولهم: إنَّ الصَّحابيَّ إذا قال: كنَّا نفعلُ كذا على عهدِ النَّبيِّ صلعم يكون مرفوعًا لأنَّ الظَّاهر اطِّلاعه صلعم عليه. وأُجيب بأنَّ دواعيهم ♥ كانت(4) متوفِّرة على سؤالهِ صلعم عن أمورِ الدِّينِ، فإذا عملوا(5) الشَّيء وعلموا أنَّه لم يطَّلع عليه بادَرُوا إلى السُّؤال عن الحكمِ فيه، فيكون الظُّهور من هذه الحيثيَّة. قاله في «الفتح».
          (مَا مِنْ نَسَمَةٍ) أي: نفسٍ (كَائِنَةٍ) أي: قدِّر كونها (إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ إِلَّا هِيَ كَائِنَةٌ) سواء عزلتُم أم(6) لا، فلا فائدةَ في عزلِكم، فإنَّه إن كان الله قدَّرَ خلقها سبقكُم الماءُ فلا ينفعكم الحرصُ، وقد خلق اللهُ آدمَ من غير ذكرٍ ولا أنثى، وخلق حوَّاء من ضلعٍ منه، وعيسى من غير ذكرٍ. وعند أحمد والبزَّار وصحَّحه ابنُ حبَّان من حديث أنسٍ: أنَّ رجلًا سألَ عن العزلِ، فقال النَّبيُّ صلعم : «لو أنَّ الماء الَّذي يكون منه الولد(7) أهرقتهُ على صخرةٍ لأخرجَ الله منها ولدًا» وقول ابنِ عبد البرِّ: لا خلافَ بين العلماءِ أنَّه لا يعزلُ عن الحرَّة إلَّا بإذنِها لأنَّ الجماع من حقِّها، ولها المطالبةُ به، وليس الجماع المعروف إلَّا ما لا يلحقهُ عزلٌ(8) مردودٌ بما سبق من الخلافِ، وبأنَّ المرأةَ لا حقَّ لها في الجماعِ أصلًا. واحتجَّ للمانعين بحديثِ عمرَ عند ابن ماجه: «نهي عن العزلِ عن الحرَّةِ إلَّا بإذنِها» وفي إسناده ابن لهيعةَ، وجزم بعض الشَّافعيَّة بالمنع إذا امتنعَت، واتَّفقت المذاهب الثَّلاثة(9) على أنَّه لا يعزلُ عن الحرَّةِ إلَّا بإذنِها، وأنَّ الأمةَ يعزل‼ عنها بغير إِذنها.
          قال في «الفتح»: وينتزعُ من حكمِ العزلِ حكم معالجة المرأةِ إسقاط النُّطفةِ قبل نفخِ الرُّوح، فمن قال بالمنعِ هناك ففي هذا أولى، ومن قال بالجوازِ يمكن أن يلتحقَ به هذا، ويمكن أن يفرَّق بأنَّه أشدُّ لأنَّ العزل لم يقع فيه تعاطي السَّبب، ومعالجة السِّقْطِ تقعُ بعد تعاطي(10) السَّبب، ويلتحقُ بهذه المسألة تعاطي المرأة ما يقطعُ الحبلَ من أصله، وقد أفتى بعض متأخِّري الشَّافعيَّة بالمنع، وهو مشكلٌ على القول بإباحةِ العزل مطلقًا.
          وهذا الحديث سبق في «البيوع» [خ¦2229].


[1] لفظ البخاري في «المغازي» [خ: 4138]: «فأصبنا سبياً من سبي العرب».
[2] في (م): «التكسب».
[3] قوله: «بين أظهرنا»: ليست في (م).
[4] «كانت»: ليس في (د).
[5] في (د) و(س) و(ص): «علموا».
[6] في (ب) و(س): «أو».
[7] قوله: «يكون منه الولد» زيادة من مصادر التخريج.
[8] في (ص): «وليس الجماع معروف إلَّا ما يلحقه»، وكذا في (د) وزاد: «يلحقه عزل».
[9] «الثلاثة»: ليس في (م).
[10] في (م) و(د): «تعاطيه».