إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من آتاه الله مالًا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعًا

          1403- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) المدينيُّ قال: (حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ القَاسِمِ) بألفٍ قبل الشِّين، أبو النَّضر التَّميميُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ) عبد الله (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان (السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : مَنْ آتَاهُ) بمدِّ الهمزة، أي: أعطاه (اللهُ مَالًا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ) بضمِّ الميم، مبنيًّا للمفعول، أي: صُوِّر له (يَوْمَ القِيَامَةِ) ولأبوي ذَرٍّ‼ والوقت والأَصيليِّ وابن عساكر: ”مُثِّلَ له مالهُ يوم القيامة“ أي: ماله الذي لم يؤدِّ زكاته (شُجَاعًا) بضمِّ الشِّين المعجمة، والنَّصب مفعولٌ ثانٍ لـ «مُثِّل»، والضَّمير الذي فيه يرجع إلى قوله: «مالًا» وقد ناب عن المفعول الأوَّل، وقال الطِّيبيُّ: «شجاعًا» نُصِبَ، يجري مجرى المفعول الثَّاني، أي: صُوِّر مَالُه شجاعًا، وقال ابن الأثير: و«مُثِّل» يتعدَّى إلى مفعولين، فإذا بُنِي لِما لم يُسَمَّ فاعله يتعدَّى إلى واحدٍ، فلذا قال: «مُثِّل له شجاعًا»، وقال البدر الدَّمامينيُّ: «شجاعًا» منصوبٌ على الحال، وهو الحيَّة الذَّكر، أو الذي يقوم على ذنبه ويواثب الرَّجل والفارس، وربَّما بلغ الفارس (أَقْرَعَ) لا شعر على رأسه؛ لكثرة سمِّه وطول عمره (لَهُ زَبِيبَتَانِ) بزايٍ معجمةٍ مفتوحةٍ فمُوحَّدتين، بينهما تحتيَّةٌ ساكنةٌ، أي: زبدتان(1) في شدقيه، يُقال: تكلَّم فلانٌ حتَّى زبَّد شِدْقاه، أي: خرج الزَّبد عليهما، أو هما نابان يخرجان من فِيْهِ، ورُدَّ بعدم وجود ذلك كذلك، أو هما النُّكتتان السَّوداوان فوق عينيه، وهو أوحش ما يكون من الحيَّات وأخبثه (يُطَوَّقُهُ) بفتح الواو المُشدَّدة، والضَّمير الذي فيه مفعوله الأوَّل، والضَّمير البارز مفعوله الثَّاني، وهو يرجع إلى «مَنْ» في قوله: «من آتاه الله مالًا»، والضَّمير المستتر يرجع إلى الشُّجاع، أي: يُجعَل طوقًا في عنقه (يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ) الشُّجاع (بِلِهْزِمَتَيْهِ) بكسر اللَّام والزَّاي، بينهما هاءٌ ساكنةٌ، وبعد الميم(2) فوقيَّةٌ، تثنية: لِهْزِمَةٍ(3)، ولغير أبي ذرٍّ: ”بِلِهْزِمَيه“ بإسقاط الفوقيَّة، وفسَّرهما بقوله(4): (يعني: شِدْقَيْهِ) بكسر الشِّين المعجمة، أي: جانبي الفم / ، ولأبي ذرٍّ: ”يعني: بشدقيه“ بزيادة مُوحَّدةٍ قبل الشِّين (ثُمَّ يَقُولُ) الشُّجاع له: (أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ) يخاطبه بذلك؛ ليزداد غصَّةً وتهكُّمًا عليه (ثُمَّ تَلَا) ╕ : ({وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ}... الآية[آل عمران:180]) بالغيب في: {يَحْسَبَنَّ} أسنده إلى: {الَّذِينَ} وقدَّر مفعولًا دلَّ عليه: {يَبْخَلُونَ} أي: لا يحسبنَّ الباخلون بخلَهم خيرًا لهم، وحذف واو: {وَلاَ} وهي ثابتةٌ في القرآن، ولأبي ذرٍّ: ”{وَلاَ تَحْسَبَنَّ}“ بإثباتها، و”{تَحْسَبَنَّ}“ بالخطاب، وهي قراءة حمزة والمُطَّوِّعيِّ عن الأعمش، أسنده إلى الرَّسول(5) صلعم ، وقدَّر مضافًا، أي: لا تحسبنَّ _يا محمَّد_ بخل الذين يبخلون هو خيرًا لهم، فـ «بُخْلَ» و«خيرًا» مفعولاه، وفي رواية التِّرمذيِّ: قرأ مصداقه: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[آل عمران:180] وفيه دلالةٌ على أنَّ المراد بالتَّطويق حقيقته(6)؛ خلافًا لمن قال: إنَّ معناه: سيُطوَّقون الإثم، وفي تلاوة الرَّسول صلعم الآية عقب ذلك دلالةٌ على أنَّها نزلت في مانعي الزَّكاة، وعليه أكثر المفسِّرين، وهذا الحديث جعله أبو العبَّاس الطَّرْقِيُّ والذي قبله‼ حديثًا واحدًا، ورواه مالكٌ في «موطَّئه» عن عبد الله بن دينارٍ، عن أبي صالحٍ، لكن وقفه(7) على أبي هريرة، وخالفهم عبد العزيز بن أبي سلمة فرواه عن عبد الله بن دينارٍ، عن ابن عمر، عن النَّبيِّ صلعم ، قال ابن عبد البرِّ: وهو عندي خطأٌ بيِّنٌ في الإسناد؛ لأنَّه لو كان عند عبد الله بن دينارٍ، عن ابن عمر؛ ما رواه عن أبي صالحٍ عن أبي هريرة أصلًا، ورواية مالكٍ وعبد الرَّحمن بن عبد الله فيه الصَّحيحة(8)، وهو مرفوعٌ صحيحٌ.
          وقد أخرج حديث الباب المؤلِّف أيضًا في «التَّفسير» [خ¦4565]، والنَّسائيُّ في «الزَّكاة».


[1] في (د): «زبيبتان».
[2] في (د): «الزَّاي»، وليس بصحيحٍ.
[3] في (د): «لهمزة»، وليس بصحيحٍ.
[4] زيد في (د): «شدقيه».
[5] في غير (ص) و(م): «رسول الله».
[6] في (ص) و(م): «حقيقة».
[7] في غير (ص) و(م): «بوقفه».
[8] في (ب) و(س): «هي الصَّحيحة»، وفي (د): «فيه الصِّحَّة».