إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {وفى الرقاب} {وفى سبيل الله}

          ░49▒ (باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ (1)}) أي: وللصَّرف في فكِّ الرِّقاب، بأن يعاون المُكاتَب الذي ليس له ما يفي بالنُّجوم بشيءٍ من الزَّكاة على أداء النُّجوم، وقِيلَ بأن تُباع الرِّقاب فتُعتَق، وبه قال مالكٌ في المشهور، وإليه مال البخاريُّ وابن المنذر، واحتجَّ له بأنَّ شراء الرِّقيق ليُعتَق أَوْلى من إعانة المُكاتَب؛ لأنَّه قد يُعان ولا يُعتَق، ولأنَّ المُكاتَب عبدٌ ما بقي عليه درهمٌ، والزَّكاة لا تُصرَف للعبد، والأوَّل مذهب الشَّافعيِّ واللَّيث والكوفيِّين وأكثر أهل العلم، ورواه ابن وهبٍ عن مالكٍ / وقال المرداويُّ من الحنابلة في «مقنعه»: وللمُكاتَب الأخذُ، أي: من الزَّكاة قبل حلول نجمٍ(2)، ويجزئ أن يشتري منها رقبةً لا تُعتَق عليه فيعتقها، ولا يجزئ عتق عبده ومكاتبه عنها، وهو موافقٌ لما رواه ابن أبي حاتمٍ وأبو عُبيدٍ في «الأموال» بسندٍ(3) صحيحٍ عن الزُّهريِّ: أنَّه كتب لعمر بن عبد العزيز: أنَّ سهم الرِّقاب يُجعَل نصفين: نصفٌ لكلِّ مُكاتَبٍ يدَّعي الإسلام، ونصفٌ يشتري به رقاب من صلَّى وصام، وعدل عن(4) اللَّام إلى «في» في(5) قوله: {وَفِي الرِّقَابِ} للدَّلالة على أنَّ الاستحقاق للجهة لا للرِّقاب، وقِيلَ: للإيذان بأنَّهم(6) أحقُّ بها ({وَفِي سَبِيلِ اللّهِ}[التوبة:60]) أي: وللصَّرف في الجهاد بالإنفاق على المتطوِّعة به ولو كانوا أغنياء؛ لقوله ╕ : «لا تحلُّ الصَّدقة لغنيٍّ إلَّا لخمسةٍ: لغازٍ في سبيل الله»، وخصَّه أبو حنيفة بالمحتاج، وعن أحمد: الحجُّ من سبيل الله.
          (وَيُذْكَرُ) بضمِّ أوَّله وفتح ثالثه (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ ) ممَّا وصله أبو عبيدٍ في «كتاب الأموال» عن مجاهدٍ عنه: (يُعْتِقُ) الرَّجل، بضمِّ التَّحتيَّة وكسر الفوقيَّة (مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ) الرَّقبة (وَيُعْطِي) منها (فِي الحَجِّ) المفروض للفقير، وبه قال أحمد محتجًّا بقول ابن عبَّاسٍ هذا مع عدم ما يدفعه، ثمَّ رجع عنه _كما في رواية الميمونيِّ_ لاضطرابه؛ لكونه اختُلِف في إسناده على الأعمش، ومن ثمَّ لم يجزم به المؤلِّف، بل أورده بصيغة التَّمريض؛ لكن جزم المرداويُّ بصحَّته في العتق والحجِّ، وعلى قوله الفتوى عند الحنابلة.
          (وَقَالَ الحَسَنُ)‼ البصريُّ: (إِنِ اشْتَرَى أَبَاهُ مِنَ الزَّكَاةِ جَازَ) هذا بمفرده(7) وصله ابن أبي شيبة بلفظ: سُئِل الحسن عن رجلٍ اشترى أباه من الزَّكاة فأعتقه، قال: اشترى خير الرِّقاب (وَيُعْطِي فِي المُجَاهِدِينَ) في سبيل الله (وَالَّذِي لَمْ يَحُجَّ) إذا كان فقيرًا (ثُمَّ تَلَا) الحسن قوله تعالى: ({إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء} الاية[التوبة:60]) ومفهوم تلاوته للآية(8): أنَّه يرى أنَّ اللَّام في {لِلْفُقَرَاء} لبيان المصرف لا للتَّمليك، فلو صرف الزَّكاة في صنفٍ واحدٍ كفى (فِي أَيِّهَا) أي: أيِّ مصرفٍ من المصارف الثَّمانية (أَعْطَيْتَ، أَجْزَأْتَ) بسكون الهمزة وفتح التَّاء، ولأبي ذرٍّ: ”أَجْزَأَتْ“ ، بفتح الهمزة وسكون التَّاء، وفي بعض النُّسخ: ”أجزت(9)“ بغير(10) همزةٍ مع تسكين التَّاء، أي: قضت عنه، وفي بعضها: ”أُجِرْتَ“ بضمِّ الهمزة وسكون الرَّاء، من الأجر.
          (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم ) ممَّا يأتي موصولًا في هذا الباب _إن شاء الله تعالى_ [خ¦1468]: (إِنَّ خَالِدًا احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ) بفتح الرَّاء، وألفٌ بعدها، ولأبي ذرٍّ: ”أدرُعه“ بضمِّها من غير ألفٍ (وَيُذْكَرُ) بصيغة التَّمريض (عَنْ أَبِي لَاسٍ) بسينٍ مهملةٍ منوَّنةٍ بعد ألفٍ مسبوقةٍ بلامٍ، ولأبي الوقت زيادة: ”الخزاعيِّ“ ، قال في «فتح الباري»، وتبعه العينيُّ: اختُلِف في اسمه، فقِيلَ: عبد الله، وقِيلَ: زياد بن عَنَمة، بمهملةٍ ونونٍ مفتوحتين، وكذا قال في «الإصابة»، وقال في «المقدِّمة»(11): يُقال: اسمه: عبد الله بن عَنَمة، ولا يصحُّ، وقال في «تقريب التَّهذيب»: والصَّواب أنَّه غيره. انتهى. ولأبي لاسٍ هذا صحبةٌ وحديثان، هذا أحدهما، وقد وصله أحمد وابن خزيمة والحاكم (حَمَلَنَا النَّبِيُّ صلعم عَلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ لِلْحَجِّ)(12)، ولفظ أحمد: على إبلٍ من إبل الصَّدقة ضعافٍ للحجِّ، فقلنا: يا رسول الله، ما نرى(13) أن تحمل هذه؟ فقال: «إنَّما يحمل الله...» الحديث، ورجاله ثقاتٌ إلَّا أنَّ فيه عنعنة ابن إسحاق، ولهذا توقَّف ابن المنذر في ثبوته، وأورده المؤلِّف بصيغة التَّمريض.


[1] زيد في (ب) و(س): «والغارمين»، وليس بصحيحٍ.
[2] في (د): «نجمه».
[3] في (ص): «بإسنادٍ».
[4] في غير (د) و(س): «من»، وهو تحريفٌ.
[5] «في»: ليس في (د).
[6] في (ص): «لأنَّهم».
[7] في (د): «المفرد».
[8] في (د): «الآية».
[9] «أجزت»: ليس في (ص).
[10] في (د): «من غير».
[11] في (د): وكذا قاله في «الإصابة»، وفي «المقدِّمة».
[12] «للحجِّ»: ليس في (د).
[13] في (ص): «ترى».