إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب الصدقة من كسب طيب

          ░8▒ (بَابُ الصَّدَقَةِ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ؛ لِقَوْلِهِ(1): {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (2)}) يكثِّرها وينمِّيها، وقوله: {وَيُرْبِي}‼ بضمِّ أوَّله وسكون ثانيه وتخفيف المُوحَّدة، كذا التَّلاوة، وفي نسخةٍ: ”ويُرَبِّي“ بفتح الرَّاء وتشديد / المُوحَّدة ({وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ}) لا يرتضي ({كُلَّ كَفَّارٍ}) مُصرٍّ على تحليل الحرام ({أَثِيمٍ}[البقرة:276]) فاجرٍ بارتكابه ({إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ}) بالله ورسله وبما جاء منه(3) ({وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ}) عطفهما(4) على الأعمِّ لشرفهما(5) على سائر الأعمال الصَّالحة ({لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ}) من آتٍ ({وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة:277]) على فائتٍ، ولغير أبي ذَرٍّ: ”{وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} إلى قوله: {وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}“ قال ابن بطَّالٍ: لمَّا كانت هذه الآية مشتملةً على أنَّ الرِّبا يمحقه الله لأنَّه حرامٌ، دلَّ ذلك على أنَّ الصَّدقة التي تُتقبَّل لا تكون من جنس الممحوق. انتهى. وقال(6) الكِرمانيُّ: لفظ «الصَّدقات» وإن كان أعمَّ من أن يكون من الكسب الطَّيِّب ومن غيره، لكنَّه مُقيَّدٌ بالصَّدقات التي هي(7) من الكسب الطَّيِّب بقرينة السياق: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ}[البقرة:267] وبهذا تحصل المناسبة بين قوله: «لا تقبل الصَّدقة إلَّا من كسبٍ طيِّبٍ» وهذه الآية، والجواب عن قول ابن التِّين: أنَّ تكثير أجر الصَّدقة ليس علَّةً؛ لكون الصَّدقة من كسبٍ طيِّبٍ، وكان الأبين أن يستدلَّ بقوله تعالى: {أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}[البقرة:267].


[1] زيد في (د): «تعالى».
[2] في حاشية (د): (قوله تعالى: { يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ } أي: لا يقبل منه صدقةً ولا جهادًا ولا حجًّا ولا صلةً {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ } أي: يُثمِّرها ويبارك فيها في الدُّنيا، ويضاعف الأجر والثَّواب في العقبى، بغويٌّ).
(قال البيضاويُّ: { يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا }: يُذْهِب بركته ويُهلِك المال الذي يدخل فيه { وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ }: يضاعف ثوابها ويبارك فيما أخرج منه {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ} لا يرتضي حاله ولا يحبُّه محبَّته للتَّوابين { كُلَّ كَفَّار }: مُصِرٍّ على تحليل المحرَّمات { أَثِيمٍ } منهمكٍ في ارتكابه).
[3] في (د): «به».
[4] في (د) و(ص): «عطفها».
[5] في (د): «لشرفها».
[6] زيد في (ص): «ابن».
[7] «هي»: مثبتٌ من (ص).