إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب صدقة السر

          ░13▒ (باب صَدَقَةِ السِّرِّ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ☺ ) ممَّا وصله المؤلِّف من حديثٍ في «باب من جلس في المسجد ينتظر الصَّلاة» [خ¦660] (عَنِ النَّبِيِّ صلعم : وَرَجُلٌ) الواو حكايةٌ لعطفه على ما ذُكِرَ قبله في الحديث (تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ) وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”ما تنفق“ (يَمِينُهُ) وهذا _كما قاله ابن بطَّال_ مثالٌ ضربه ╕ في المبالغة في الاستتار بالصَّدقة؛ لقرب الشِّمال من اليمين، وإنَّما أراد: أن(1) لو قَدِرَ ألَّا يعلم من يكون على شماله من النَّاس، نحو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}[يوسف:82] لأنَّ الشِّمال لا تُوصَف بالعلم، فهو من باب مجاز الحذف، وألطف منه ما قاله ابن المُنيِّر: أن يُراد لو أمكن أن يخفي صدقته عن نفسه لفعل، فكيف لا يخفيها عن غيره؟ والإخفاء عن النَّفس يمكن باعتبارٍ، وهو أن يتغافل المتصدِّق عن الصَّدقة ويتناساها حتَّى ينساها، وهذا ممدوح الكرام(2) شرعًا وعُرفًا.
          (وقوله) ╡: ({إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ}) فنِعْمَ شيئًا إبداؤها ({وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء}) أي: تعطوها مع الإخفاء ({فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ} الاية[البقرة:271]) فالإخفاء خيرٌ لكم، وهذا في التَّطوُّع(3) ولمن لم(4) يُعرَف بالمال، فإنَّ إبداء / الفرض لغيره أفضل لنفي التُّهم، ولغير أبي ذرٍّ: ”وقال الله تعالى: {وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ}“ ، ولم يذكر هنا حديثًا إلَّا المُعلَّق فقط، وروى ابن أبي حاتمٍ عن الشَّعبيِّ في قوله تعالى: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ}[البقرة:271] نزلت في أبي بكرٍ وعمر ☻ أمَّا عمر فجاء بنصف ماله حتَّى دفعه إلى النَّبيِّ صلعم ، فقال له النَّبيُّ صلعم : «ما خلَّفتَ وراءك‼ لأهلك يا عمر؟» قال: خلَّفت لهم نصف مالي، وأمَّا أبو بكرٍ فجاء بماله كلِّه، فكاد أن يخفيه من(5) نفسه حتَّى دفعه إلى النَّبيِّ صلعم ، فقال له النَّبيُّ صلعم : «ما خلَّفتَ وراءك يا أبا بكرٍ؟» فقال: عدَة الله وعدَة رسوله، فبكى عمر وقال: بأبي أنت يا أبا بكرٍ، والله ما استبقنا(6) إلى باب خيرٍ قطُّ إلَّا كنت سابقنا عليه.


[1] «أن»: ليس في (د).
[2] في (د): «للكرام».
[3] في (ص): «المتطوِّع».
[4] في (د): «لا».
[5] في (د): «عن».
[6] في غير (د): «سبقنا».