التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالًا فهداكم الله بي

          4330- قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو التَّبُوذَكيُّ الحافظ، وتَقَدَّم لماذا نسب، وتَقَدَّم (وُهَيْبٌ)، وأنَّه بالتصغير، وأنَّه ابن خالد الباهليُّ الكرابيسيُّ الحافظ، وتَقَدَّم مترجمًا [خ¦84]. /
          قوله: (لَمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ): تَقَدَّم الكلام على الفيء والغنيمة، وأنَّ الغنيمة: الفائدة لغةً، والمالُ المأخوذ من الكفَّار ينقسم إلى ما تحصَّل بغير قتالٍ وإيجافِ خيلٍ وركابٍ، وإلى حاصلٍ بذلك، ويُسمَّى الأوَّل: فيئًا، والثاني: غنيمةً، وذكر المسعوديُّ وطائفة من الشافعيَّة: أنَّ اسم كلِّ واحد من المالَين يقع على الآخر إذا أُفرِد بالذكر، فإذا اجتمعا؛ افترقا؛ كاسمي (الفقير) و(المسكين)، وقال أبو حاتم القزوينيُّ وغيره: اسم الفيء يشمل المالَين، واسم الغنيمة لا يتناول الأوَّل، وفي لفظ الإمام الشافعيِّ في «المختصر» ما يشعر بهذا [خ¦58/4-4926]، وكلام الناس في ذلك فيه طول، فإن أردته؛ فانظر المطوَّلات، والله أعلم.
          قوله: (فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ): تَقَدَّم الكلام فيمن ذُكِر أنَّه من المؤلَّفة، وقد قال السهيليُّ: (إنَّهم كانوا أربعين رجلًا فيما ذكروا)، وقال شيخنا: (نحو الخمسين)، انتهى، وقد ذكرتهم، فلعلَّك ألَّا تجدهم مجموعين كما ذكرتهم في (باب ما كان النَّبيُّ صلعم يعطي المؤلَّفة قلوبهم وغيرهم من الخمس)، وأنَّهم أقوام تُؤلِّفوا في بدء الإسلام، ثُمَّ تمكَّن الإسلام من قلوبهم، فخرجوا بذلك عن حدِّ المؤلَّفة [خ¦3147]، وإنَّما ذكرهم الإمام في المؤلَّفة؛ اعتبارًا ببداية أحوالهم، وفيهم من لم يُعلَم حسنُ إسلامه، والظاهر بقاؤه على حال التألُّف، ولا يمكننا أن نفرِّق بين مَن حسن إسلامه ومَن لم يحسن؛ لجواز أن يكون مَن ظننَّا به الشرَّ على خلاف ذلك؛ إذ الإنسان قد يتغيَّر عن حاله ولا يُنقَل إلينا أمره، فالواجب أن نظنَّ بكلِّ مَن سمعنا عنه الإسلام خيرًا، قال شيخنا: (واختلف في الوقت الذي يتألَّفهم فيه؛ فقيل: قبل إسلامهم؛ ليسلموا، وقيل: بعده؛ ليثبتوا، واختلف في قطع ذلك عنهم؛ فقيل: خلافة الصدِّيق، وقيل: في خلافة الفاروق، واختلف في نسخه واستمراره)، ذكر ذلك في (سورة براءة).
          ثُمَّ اعلم أنَّ في الذي أعطاهم النَّبيُّ صلعم ثلاثةَ أقوال، ذكرها السهيليُّ في «روضه»؛ أحدها: أنَّه أعطاهم من خمس الخمس، ورُدَّ بأنَّ خمس الخمس ملك له، ولا كلام لأحد فيه، الثاني: أنَّه أعطاهم من رأس الغنيمة، وأنَّ ذلك خصوص بالنَّبيِّ صلعم؛ لقوله تعالى: {قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ}[الأنفال:1]، ورُدَّ بأنَّها منسوخة، انتهى، غير أنَّ بعض العلماء احتجَّ لهذا القول: بأنَّ الأنصار لما انهزموا يوم حُنين، فأيَّد الله رسوله وأمدَّه بملائكته، فلم يرجعوا حتَّى كان الفتح؛ ردَّ الله أمر المغانم إلى رسوله من أجل ذلك، ولم يعطهم منها شيئًا، وقال لهم: «ألا ترضون أن يرجع الناس بالشاة والبعير...» إلى آخره، فطيَّب نفوسهم بذلك بعدما فعل ما أُمِر به، انتهى، قال السهيليُّ: (والثالث: أنَّه أعطاهم من الخمس، وهذا جائز للإمام أن يصرفه عن الأصناف المذكورة في آية الخمس حيث يرى أنَّ فيه مصلحةً للمسلمين، نقل السهيليُّ هذا الثالث عن اختيار أبي عبيد، انتهى.
          وذكر الخلاف فيما أعطاهم منه غيرُ السهيليِّ أيضًا، وقد ذكر الأقوال الثلاثة ابن القيِّم الحافظ شمس الدين في «الهدي»، وأطال في ذلك النفس، وقد ذكرت ذلك في «تعليقي على سيرة أبي الفتح ابن سيِّد الناس»، والله أعلم.
          قوله: (وكَأَنَّهُمْ(1) وَجَدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ؛ أي: غضبوا، وسيأتي قريبًا [أنَّهم] غضبوا، وهذا ظاهرٌ.
          قوله: (مَا أَصَابَ النَّاسَ): (الناسَ): منصوب مفعول، وهذا ظاهرٌ، و(ما): موصولة، وهي مرفوع فاعل.
          قوله: (وَعَالَةً): هو بتخفيف اللام، و(العالَة): الفقراء.
          قوله: (جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا): هذا الكلام قاله الراوي كناية عمَّا قاله ◙، قال ابن إسحاق: (وحدَّثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدريِّ...)؛ فذكر القصَّة، وفيها: («أَمَا والله لو شئتم؛ لقلتم، فلصَدَقْتُم ولَصُدِّقْتُم(2): أتيتنا مكذَّبًا فصدَّقناك، ومخذولًا فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلًا فآسيناك»، انتهى.
          قوله: (وَشِعْبًا): هو بكسر الشين، تَقَدَّم ما هو [خ¦2786].
          قوله: (الأَنْصَارُ شِعَارٌ): تَقَدَّم ما (الشعار)، وكذا (الدِّثَارُ)، وكذا (الأَُثْـَرَةُ) بلُغاتها [خ¦1253]، وتَقَدَّم أنَّ (الأثرة) كانت زمن معاوية [خ¦2376].


[1] كذا في (أ)، ورواية «اليونينيَّة» و(ق): (فكأنَّهم).
[2] في (أ): (ولصدقتهم)، والمثبت موافق لما في المصادر.