التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: لا يدخلن هؤلاء عليكن

          4324- قوله: (حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بضمِّ الحاء المهملة، وتَقَدَّم في أوَّل هذا التعليق لماذا نُسب، وأنَّ اسمه عبد الله بن الزُّبَير [خ¦1]، و(سُفْيَانُ) بعده: هو ابن عيينة، و(هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ): هو هشام بن عروة بن الزُّبَير بن العوَّام، وهذا ظاهرٌ عند أهله، و(زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ) تَقَدَّمت، وهي بنت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزوميَّة، ربيبة النَّبيِّ صلعم، وتَقَدَّم بعض ترجمتها ♦ [خ¦2680]، و(أُمُّهَا أُمُّ سَلَمَةَ): هند بنت أبي أُمَيَّة حذيفة، تَقَدَّم بعض ترجمتها، والكلام في تاريخ وفاتها، وأنَّها تُوُفِّيَت بعد الستِّين، وأنَّها آخر الأزواج وفاةً، ♦ [خ¦115].
          قوله: (وَعِنْدِي مُخَنَّـِثٌ): المخنَّـِث؛ بكسر النون أفصح، وبفتحها أشهر؛ لغتان، وهذا المخنِّـَث هو: هِيت، كما هنا من كلام ابن عيينة عن ابن جُرَيج، قال شيخنا عن الكلبيِّ: (إنَّ هِيتًا هو مولى عبد الله بن أبي أُمَيَّة)، انتهى، وقيل: هِيت اسمه، ولقبه: ماتع، والمَخانِثة الذين كانوا في عهده ◙ أربعة: هِيت، وهِدْم(1)، وأنَّة، وماتع، قاله السهيليُّ، ونقله الذهبيُّ عنه في «تجريده» في (أنَّة)، انتهى؛ وهِدْم؛ بالدال، ذكره الذهبيُّ في (أنَّة)، وفي نسخة من «الروض»: (هَرِم)، وضبطه شيخنا في هذا الشرح: بالهاء المكسورة، وبالدال الساكنة.
          واعلم أنَّ المخنِّـَث ضربان:
          أحدهما: مَن خُلق كذلك ولم يتكلَّف التخلُّق بأخلاق النساء، وزِيِّهنَّ، وكلامهنَّ، وحركاتهنَّ، بل هو خِلْقة خلقه الله تعالى عليها كما كان هؤلاء، هذا لا ذمَّ عليه، ولا إثم، ولا عتب، ولا عقوبة؛ لأنَّه معذور لا صنع له في ذلك، ولهذا لم ينكر ◙ أوَّلًا دخوله على النساء، ولا خلقه الذي هو عليه حين كان مِن أصل خلقته.
          الضرب الثاني: هو مَن لم يكن له ذلك خِلقة، بل يتكلَّف أخلاق النساء، وحركاتهنَّ، وصفاتهنَّ، وكلامهنَّ، ويتزيَّا بزيِّهن، فهذا هو المذموم الذي جاء في الأحاديث الصحيحة لعنُه، والضرب الأوَّل ليس بملعون، والله أعلم.
          وأمَّا دخول هذا على أمِّ سلمة، وفي رواية في «مسلم»: (كان يدخل على أزواج النَّبيِّ صلعم مخنِّـَث)؛ فكأنَّه يعدُّونه مِن غير أولي الإربة، فقد بيَّن سببه في هذا الحديث بأنَّهم كانوا يعدُّونه مِن غير أولي الإربة، ومَن كان مِن غير أولي الإربة؛ فإنَّه مباحٌ دُخولُه، فلمَّا سمع ◙ الكلام الذي قاله؛ علم أنَّه مِن أولي الإربة، فمنعه ◙ الدخولَ، والله أعلم.
          قال الإمام السهيليُّ: (ولم يكونوا يُزَنُّون بالفاحشة الكبرى، وإنَّما كان تأنيثهم لِينًا في القول، وخِضابًا في الأيدي والأرجل كخِضاب النساء، ولَعِبًا كلَعِبِهِنَّ، وربَّما لَعِبَ بعضُهم بالكُرَّج، وفي «مراسيل أبي داود»: أنَّ عمر بن الخَطَّاب ☺ رأى لاعبًا يلعب بالكُرَّج، فقال: «لولا أنِّي رأيت هذا يلعب به على عهد رسول الله صلعم؛ لنفيته من المدينة»، انتهى.
          قال الجوهريُّ: (الكُرَّج: معرَّب، وهو بالفارسية: كرَّه)، انتهى، وفي «القاموس» لشيخنا مجد الدين: (وكـ«قُبَّر»: المُهْرُ، معرَّب كُرَّه، والكُرَّجيُّ: المخنِّـَث)، انتهى.
          قوله: (يَقُولُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ): هو عبد الله بن أبي أُمَيَّة بن المغيرة المخزوميُّ، أخو أمِّ سلمة، أمُّه: عاتكة عمَّة النَّبيِّ صلعم، كان شديدًا على المسلمين، معاديًا لرسول الله صلعم، أسلم قُبَيل الفتح هو وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطَّلب، رُمِيَ عبد الله هذا بسهم يوم الطائف قتله، وقد تَقَدَّم ذلك [خ¦1360].
          قوله: (فَعَلَيْكَ بِابْنَةِ غَيْلَانَ): (ابنة غيلان) هذه: اسمها بادية، وقيل: بادنة، والصحيح بالمثنَّاة تحت، تزوج باديةَ عبدُ الرَّحمن بن عوف، وهي صحابيَّة، وغيلان أبوها صَحابيٌّ أيضًا، أسلم وتحته عشر نسوة، وقصَّته معروفة، وبادية هذه إحدى المستحاضات التسع في عهده ◙، وقد ذكرتها في (الحيض) من هذا التعليق [خ¦309]. /
          قوله: (فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ): قال ابن قُرقُول: (يعني: أطراف العُكَن الأربع التي تكون في بطنها تظهر ثمانية في جنبها، وقال: ثمان، ولم يقل: ثمانية، وهي الأطراف مذكَّرة؛ لأنَّه لم يذكُرها؛ كما يقال: هذا الثوب سبع في ثمان؛ يريد: سبعة أذرع في ثمانية أشبار، فلمَّا لم يذكُر الأشبارَ؛ أنَّث؛ لتأنيث الأذرع التي قبلها).
          فائدةٌ: في حديث هِيْت زيادة لم تقع في «الصحيح» بعد قوله: (بثمان): (مع ثغر كالأقحوان، إن قامت؛ تثنَّت، وإن قعدت؛ تبنَّت، وإن تكلَّمت؛ تغنَّت _يعني: من الغُنَّة، والأصل: تغنَّنَت، فقلبت إحدى النونين ياء_ وهي هيفاء شَموع نجلاء)، انتهى، والشَّمُوع _بفتح الشين المعجمة، وتخفيف الميم_ من النساء: اللَّعوب الضَّحوك، وذكر شيخنا في «شرحه» عن ابن الكلبيِّ هذا إلى قوله: (تغنَّت)، ثُمَّ قال: (وفي لفظ...)، فذكر كلامًا لا يتحرَّر من سقم النسخة، وفي آخره: (بين رجليها مثل الإناء الملفوف(2))، وقال في (باب ما يكره من دخول المتشبِّهين بالنساء على المرأة): (وفي بعض الأخبار زيادة: «ولها ثغر كالأقحوان، إن جلست؛ تبنَّت، وإن نطقت؛ تغنت، وبين رجليها كالإناء الملفوف»)، انتهى، وهذا يعيِّن الذي لم يتحرَّر من سقم النسخة، والله أعلم.
          فائدةٌ: ذكر أبو موسى في «غريبه» على ما قاله ابن الأثير في «نهايته»: (أنَّ سعدًا خطب امرأة بمَكَّة، فقيل: إنَّها تمشي على ستٍّ إذا أقبلت، وعلى أربع إذا أدبرت؛ يعني بالستِّ: يديها، وثدييها، ورجليها؛ أي: إنَّها لعظم ثدييها ويديها كأنَّها تمشي مُنكبَّة، والأربع: رجلاها، وأليتاها، وأنَّهما كادتا تمسَّان الأرض؛ لعظمهما، وهي بنت غيلان الثَّقفيَّة التي قيل فيها: تُقبل بأربع، وتُدبر بثمان، وكانت تحت عبد الرَّحمن بن عوف)، انتهى لفظ «النِّهاية».
          ثُمَّ إنِّي رأيت في «مسند أبي يعلى الموصليِّ» عن سعد بن مالك: (أنَّه خطب امرأة بمَكَّة وهو مع رسول الله صلعم، فقال: ليت عندي من يراها ومن يخبرني عنها، فقال رجل يدعى هِيت: أنا أنعتها لك، إذا أقبلت؛ قلت: تمشي على ستٍّ، وإذا أدبرت؛ تمشي على أربع...)؛ الحديث.
          قوله: (قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْمُخَنَّثُ هِيتٌ): تَقَدَّم أنَّه بكسر النون من (المخنِّـَث) وفتحها، تَقَدَّم، وتَقَدَّم الخلاف في (هيت)، وهل هذا المتكلم هِيت أو غيره أعلاه؛ فانظره، والظاهر أنَّ قول: (قال ابن عيينة)؛ يعني: بالسند المتَقَدِّم، وهو الحُمَيديُّ عنه، وقال بعض الحفَّاظ المتأخِّرين: (كذا هو في «البُخاريِّ» من قول ابن جُرَيج، ووقع موصولًا من حديث عائشة في «صحيح ابن حبَّان»، انتهى.
          قوله: (حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ): هذا هو ابن غيلان، تَقَدَّم مِرارًا، و(أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّم أيضًا أنَّه حمَّاد بن أسامة، و(هِشَامٌ): هو ابن عروة بن الزُّبَير، وقوله: (بِهَذَا)؛ أي: بالسند الذي قبله والحديث، ويؤكِّد هذا قولُه: (وزاد).
          قوله: (الطَّائِفَ): هو منصوبٌ؛ لأنَّه مفعول اسم الفاعل؛ وهو (مُحَاصِر)، وهذا ظاهرٌ.


[1] في (أ) تبعًا لمصدره: (هَرِم)، وكتب فوقها: (هِدْم)، وعليها: (صح)، وقد ذكره الحافظ في «الإصابة» ░3/600▒ ░8942▒ في (هِدْم)، وذكره مع (هيت) ░3/614▒ ░9020▒.
[2] كذا في (أ)، وفي المطبوع من مصدره: (مكفوف)، وكذا في الموضع اللاحق.