شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول: لا حول ولا قوة إلا بالله

          ░67▒ بابُ قَوْلِ الرَّجُلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ.
          فيه: أَبُو مُوسَى: (أَخَذَ النَّبيُّ صلعم فِي عَقَبَةٍ، أَوْ: في ثَنِيَّةٍ: فَلَمَّا عَلا عَلَيْهَا نادى رَجُلٌ(1) فَرَفَعَ صَوْتَهُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، قَالَ: والنَّبيُّ صلعم عَلَى بَغْلَتِهِ، فَقَال: ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كَنْزِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ). [خ¦6409]
          قال الطَّبري: إن قال قائل: أيُّ أنواع الذِّكر أفضل فإنَّ ذلك أنواع كثيرة، منها التَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل والتَّكبير؟ قيل: أعلى ذلك وأشرفُه الكلمة الَّتي لا يصحُّ لأحدٍ عمل إلَّا بها، ولا إيمان إلَّا بالإقرار بها، وذلك التَّهليل وهو لا إله إلا الله، على ما تقدَّم في حديث جابر في باب فضل التَّهليل، روى أبو هريرة عن رسول الله صلعم: ((الإِيْمانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ(2) خَصْلَةٌ، أَكْبَرُهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَصْغَرُهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيْقِ)) وقال صلعم: ((أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)).
          فإن قيل: فما(3) معنى قول النَّبيِّ صلعم للذي رفع صوتَه بلا إله إلَّا الله: ((أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كَنْزِ الجَنَّةِ قُلْ(4): لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تُغْنِي عَنْ غَيْرِهَا، وَهِيَ المُنْجِيَةُ مِن النَّارِ))؟
          فالجواب: أنَّ النَّبيَّ صلعم كان معلِّمًا لأُمَّتِه، وكان لا يراهم على حالة مِن الخير إلَّا أحبَّ لهم الزِّيادة عليها فأحبَّ للَّذي رفع صوتَه بكلمة الإخلاص والتَّوحيد أن يردفَها بالتَّبرُّؤ مِن الحول والقوَّة لله ╡ وإلقاء القدرة إليه، فيكون قد جمع مع التَّوحيد الإيمان بالقدر.
          وقد جاء نحو هذا المعنى في حديث عبد الله بن بابي(5) المكي عن عبد الله بن عَمْرو بن العاص قال: إنَّ الرَّجل إذا قال: لا إله إلَّا الله، فهي كلمة الإخلاص الَّتي لا يقبل الله مِن أحدٍ عملًا حتَّى يقولَها، فإذا قال: الحمد لله فهي كلمة الشُّكر الَّتي لم يشكر الله أحد حتَّى يقولها، فإذا قال: الله أكبر فهي كلمة(6) تملأ ما بين السَّماء والأرض، فإذا قال: سبحان الله فهي صلاة الخلائق الَّتي لم يَدَعِ اللهُ أحدًا حتَّى قرَّرَه بالصَّلاة والتَّسبيح، وإذا قال: لا حول ولا قوَّة إلا بالله. قال: استسلم عبدي.
          وروي عن سالم بن عبد الله، عن أبي أيُّوب الأنصاري: ((أَنَّ النَّبيَّ صلعم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مَرَّ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ خَلِيلِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ: مُرْ أُمَّتَكَ فَلْيُكْثِرُوا مِنْ غِرَاسِ الجَنَّةِ، فَإِنَّ تُرْبَتَهَا طَيِّبَةٌ وَأَرْضَهَا وَاسِعَةٌ. قَالَ لَهُ النَّبيُّ صلعم: وَمَا غِرَاسُ الجَنَّةِ؟ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ)) ومِن حديث جابر عن النَّبيِّ صلعم قال: ((أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ: لَا حَولَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ فَإِنَّهَا تَدْفَعُ(7) تِسْعًا وَتِسْعِينَ دَاءً أَدْنَاهَا الهَمُّ)) وقال مكحول: مَن قالَها كُشف عنه سبعون بابًا مِن الضُّرِّ، أدناها الفقر. ومعنى لا حول ولا قوَّة إلا بالله: لا حول عن معاصي الله إلَّا بعصمة الله، ولا قوَّة على طاعة الله إلا بالله، قال النَّبيُّ صلعم: ((كَذَلِكَ أَخْبَرَنِي جِبْرِيْلُ عَنِ اللهِ ╡)).
          وروي عن عليِّ بن أبي طالب تفسير آخر قال: تفسيرُها: إنَّا لا نملك مع الله شيئًا، ولا نملك مِن دونِه شيئًا، ولا نملك إلَّا ما ملكنا ممَّا هو أملك به منَّا.
          وحكى أهل اللغة أنَّ معنى لا حول: لا حيلة، يُقال: ما للرَّجل حيلة ولا حول(8) ولا احتيال ولا محتال ولا محالة ولا محال، وقولُه: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}[الرعد:13]، يعني المكر والقوَّة والشِّدَّة.


[1] في (ت) و(ص): ((عليها نادى)).
[2] في (ت) و(ص): ((وستون)).
[3] في (ص): ((ما)).
[4] في (ت): ((فقل)). في (ص): ((فقال)).
[5] في (ز): ((باباء)) والمثبت من (ت) و (ص).
[6] قوله: ((كلمة)) ليس في (ص).
[7] في (ص): ((ترفع)).
[8] في المطبوع: ((قوة)).