شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الدعاء بعد الصلاة

          ░18▒ بابُ الدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلَاة.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ بِالدَّرَجَاتِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، قَالَ: كَيْفَ ذَلكَ؟ قَالُوا: صَلَّوْا كَمَا صَلَّيْنَا، وَجَاهَدُوا كَمَا جَاهَدْنَا، وَأَنْفَقُوا مِنْ فُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، وَلَيْسَتْ لَنَا أَمْوَالٌ، قَالَ: أَفَلا أُخْبِرُكُمْ بِما تُدْرِكُونَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ مَنْ جَاءَ بَعْدَكُمْ، وَلَا يَأْتِي أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا جِئْتُمْ(1) إِلَّا مَنْ جَاءَ بِمِثْلِهِ، تُسَبِّحُونَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ عَشْرًا، وَتَحْمَدُونَ عَشْرًا وَتُكَبِّرُونَ عَشْرًا). [خ¦6329]
          وفيه: الْمُغِيرَةُ: (أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنَّ النَّبيَّ صلعم كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ إِذَا سَلَّمَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ). [خ¦6330]
          في حديث هذا الباب الحضُّ على التَّسبيح والتَّحميد في أدبار الصَّلوات، وأنَّ ذلك يوازي في الفضل إنفاق المال في طاعة الله لقولِه: (أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ).
          وروي عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قال: ((وُضِعَتِ الصَّلَوَاتِ فِي خَيْرِ السَّاعَاتِ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ دُبُرَ الصَّلَوات)).
          قال الطَّبري: وحدَّثنا(2) ابن المثنَّى وابن بشَّار، قالا: حدَّثنا يحيى بن سعيد عن سليمان التَّيمي عن قَتادة عن أنس بن مالك قال: إِذا أُقيمت الصَّلاة فُتِحت أبواب السَّماء واستُجيب الدُّعاء. وروى الطَّبري عن جعفر بن محمَّد قال: الدُّعاء بعد المكتوبة أفضل مِن الدُّعاء بعد النَّافلة كفضل المكتوبة على النَّافلة.
          فإن قال قائل: فقد روى عبد الرَّحمن بن الأسود عن أبيه قال: قال عبد الله بن مسعود: إنَّما هذه القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيرِه. فأيُّ الأمرين عندك أفضل، أَذِكْرُ(3) الله بالتَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل أم(4) قراءة القرآن؟ فالجواب: أنَّ عَمْرو بن أبي(5) سلمة سأل الأوزاعي عن ذلك، فقال له: سَلْ سعيدًا، فسألَه فقال: بل القرآن. فقال الأوزاعي لسعيد: إنَّه ليس شيء(6) يعدل القرآن، ولكن إنَّما كان هدي مَن سلف يذكرون الله قبل طلوع الشَّمس وقبل الغروب.
          قال الطَّبري: والَّذي قال الأوزاعي أقرب إلى الصَّواب لما روى أنس وأبو هريرة عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قال: ((لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللهَ بَعْدَ الفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فِيْهَا، وَلَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللهَ بَعْدَ العَصْرَ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فِيهَا))(7) وقال عبد الله بن عَمرو: ذكر(8) الله بالغداة والعَشِيِّ أفضل مِن حَطْم السُّيوف في سبيل الله وإعطاء المال سَحًّا.
          وقد تقدَّم في باب ما يقول إذا أصبح حديث الحسن عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صلعم قال: ((يَقُولُ ╡: ابنَ آدَمَ اذْكُرْنِي(9) مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ سَاعَةً وَمِنْ آخِرِ النَّهَارِ سَاعةً(10)، أَكْفِيكَ مَا بَيْنَهُمَا)).
          وترجم لحديث المغيرة باب: لا مانع لما أعطى الله في كتاب القدر، وسيأتي الكلام هناك إن شاء الله تعالى، واحتجَّ بحديث أبي هريرة مَن فضَّل الغنى على الفقر، وسيأتي الكلام فيه(11) في كتاب(12) الرَّقائق إن شاء الله تعالى.


[1] زاد في (ت): ((به)).
[2] في (ص): ((وفي حديث)).
[3] في (ت) و(ص): ((ذكر)).
[4] في (ت): ((أو)).
[5] قوله: ((أبي)) ليس في المطبوع.
[6] في (ت) و(ص): ((بشيء)).
[7] قوله: ((ولأن أقعد مع قوم...من الدُّنيا وما فيها)) ليس في (ت) و(ص).
[8] في (ت) و(ص): ((وذكر)).
[9] في (ت) و(ص): ((وقد تقدم قول النَّبي قال الله: اذكرني)).
[10] في (ت) و(ص): ((وآخره ساعة)).
[11] قوله: ((إن شاء الله تعالى...وسيأتي الكلام فيه)) ليس في (ت) و(ص).
[12] في (ص): ((باب)).