شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الدعاء على المشركين

          ░58▒ بابُ الدُّعَاءِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ.
          وَقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ)، وَقَالَ: (اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ).
          وَقَالَ ابنُ عُمَرَ: (دَعَا النَّبيُّ صلعم فِي الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا، حتَّى أَنْزَلَ اللهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ})[آل عِمْرَان:128].
          فيه: ابنُ أَبِي أَوْفَى: (دَعَا النَّبيُّ صلعم عَلَى الأَحْزَابِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ، اهْزِمِ الأحْزَابَ، اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ). [خ¦6392]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: (كَانَ النَّبيُّ صلعم إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ صَلاةِ العِشَاءِ قَنَت) إلى قولِه: (اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ على مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ(1) سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ). [خ¦6393]
          وفيه: أَنَسٌ: (بَعَثَ النَّبيُّ صلعم سَرِيَّةً يُقَالُ لَهُمُ: الْقُرَّاءُ، فَأُصِيبُوا، فَمَا رَأَيْتُ النَّبيَّ صلعم وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ مَا وَجَدَ عَلَيْهِمْ، فَقَنَتَ شَهْرًا في صَلَاةِ الْفَجْرِ، يَقُولُ: إِنَّ عُصَيَّةَ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ). [خ¦6394]
          وفيه: عَائِشَةُ: (كَانَت الْيَهُودُ يُسَلِّمُونَ عَلَى النَّبيِّ صلعم يَقُولُونَ: السَّامُ عَلَيْكَ، فَغَضِبَتْ عَائِشَةُ ♦، فَقَالَتْ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ في الأَمْرِ كُلِّهِ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا يَقُولُونَ؟ فقَالَ: أَوَلَمْ تَسْمَعِي ما أَرُدُّ ذَلِكِ عَلَيْهِمْ أَقُولُ: وَعَلَيْكُمْ). [خ¦6395]
          وفيه: عليٌّ: (قَالَ النَّبيُّ صلعم يَوْمَ الْخَنْدَقِ: مَلَأ اللهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا، كَمَا شَغَلُونَا عَن الصَّلاة الْوُسْطَى). [خ¦6396]
          قال المؤلِّف: قد تقدَّم هذا في كتاب الجهاد والاستسقاء، ونذكر هاهنا طرفًا مِن معناه، إنَّما كان صلعم يدعو على المشركين على حسب ذنوبِهم وإجرامِهم، فكان يبالغ في الدُّعاء على مَن اشتدَّ أذاه للمسلمين، ألا ترى(2) أنَّه لما يئس مِن قومِه قال: ((اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ واجْعَلْهَا كَسِنِي يُوْسُفَ)) وقال مرةً: ((اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفض)) ودعا على أبي جهل بالهلاك ودعا على الأحزاب بالهزيمة والزَّلزلة، فأجاب الله دعاءَه فيهم، ودعا على الَّذين قتلوا القرَّاء شهرًا في القنوت، ودعا على أهل الأحزاب أن يحرقَهم الله في بيوتِهم وقبورِهم، فبالغ في الدُّعاء عليهم لشدَّة إجرامِهم، ونهى عائشة عن الردِّ على اليهود باللَّعنة وأمرَها بالرِّفق في المقارضة لهم، والردِّ عليهم مثل قولِهم ولم يبح لها الزِّيادة والتَّصريح، فيمكن أن يكون(3) ذلك منه ◙ على وجه التَّألُّف لهم والطَّمع في إسلامِهم والله أعلم.
          وأمَّا قولُه في حديث ابن عُمر حين لعن النَّبيُّ صلعم المنافقين في الصَّلاة فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}[آل عِمْرَان:128]فذهب بعض أهل التَّأويل أنَّ هذه الآية ناسخة للعن النَّبيِّ صلعم المنافقين في الصَّلاة والدُّعاء عليهم، وأنَّه عُوِّض مِن ذلك القنوت في الصُّبح، رواه ابن وهب وغيرُه.
          وأكثر العلماء على أنَّ الآية ليست ناسخة ولا منسوخة، وأنَّ الدُّعاء على المشركين بالهلاك وغيرِه جائز لدعاء النَّبيِّ صلعم عليهم في هذه الآثار المتواترة الثَّابتة.


[1] قوله: ((عليهم)) ليس في (ت).
[2] قوله: ((ترى)) ليس في (ت).
[3] زاد في (ت): ((كان)).