شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب دعوة النبي لخادمه بطول العمر وبكثرة ماله

          ░26▒ بابُ دَعْوَةِ النَّبيِّ صلعم لِخَادِمِهِ بِطُولِ الْعُمُرِ وَكَثْرَةِ مَالِهِ.
          فيه: أَنَسٌ: (قَالَتْ أُمِّي للنَّبِيِّ صلعم: خَادِمُكَ، ادْعُ اللهَ لَهُ، قَالَ: اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ). [خ¦6344]
          وترجم له بعد هذا باب الدُّعاء وكثرة المال مع البركة، وباب الدُّعاء(1) بكثرة الولد مع البركة(2).
          إن قال قائل: كيف ترجم البخاري في(3) هذا الحديث باب دعوة النَّبيِّ صلعم لخادمِه بطول العمر، وإنَّما في الحديث (اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ). وليس فيه: وطوِّل عمرَه؟
          قيل: يحتمل أن يقوم(4) ذلك مِن دليل الحديث مِن موضعين: أحدُهما: أنَّ دعوتَه ◙ له بكثرة الولد يدلُّ على أنَّ ذلك لا يكون إلا في كثير مِن السِّنين، فدعاؤُه له بكثرة الولد دعاء له بطول العمر، والثاني: قولُه صلعم: (وَبَارِكْ لَهُ فِيْمَا أَعْطَيْتَهُ) والعمر(5) مما أعطاه(6)، هذا الوجه للمهلَّب.
          فإن قيل: فما معنى دعائِه له صلعم بطول العمر وقد علم صلعم أنَّ الآجال لا يُزَاد فيها ولا يُنقَص منها على ما كُتِب في بطن أمِّه؟ قيل: معنى ذلك والله أعلم أنَّ الله تعالى يكتب أجل عبدِه إن أطاع الله واتَّقاه فيكون عمرُه مدَّة كذا، فإن لم يطع الله ╡ وعصاه كان أجلُه أقلَّ منها.
          يدلُّ على صحَّة(7) ذلك قولُه ╡(8) في قصة نوح حين قال لقومِه: {اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ. يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى}[نوح:3-4]، يريد أجلًا قد قضى به لكم إن أطعتم، فإن عصيتم لم يؤخِّركم إلى ذلك الأجل، وكلٌّ قد سبق في علم الله مقدار أجلِه على ما يكون مِن فعلِه.
          قال ابن قتيبة: ومثلُه ما رُوي أنَّ الصَّدقة تدفع القضاء(9) المبرم، وأنَّ الدُّعاء يدفع(10) البلاء، وقد ثبت أنَّه لا رادَّ لقضاء الله ╡، ومعنى ذلك أنَّ المرء قد يستحقُّ بالذُّنوب قضاءً مِن العقوبة، فإن هو تصدَّق دفع عن نفسِه ما استحقَّ مِن ذلك، يدلُّ على ذلك قولُه: ((إِنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ اللهِ)) ألا(11) ترى أنَّ مَن غضبَ الله عليه قد تعرَّض لعقابِه، فإذا زال ذلك الغضب بالصَّدقة زال العقاب، وكذلك الدُّعاء يرتفع إلى الله ╡ فيوافق البلاء نازلًا مِن السَّماء فيزيلُه / ويصرفُه، وكلُّ ذلك قد جرى به القلم في علم الله تعالى أنَّه إن تصدََّق أو دعا صُرف عنه غضب الله وبلاؤُه.
          وفي هذا الحديث حجَّة لمن قال. الغنى أفضل مِن الفقر، وهي مسألة اختلف النَّاس فيها قديمًا، وسيأتي الكلام فيها في موضِعها(12) في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى(13).


[1] قوله: ((وكثرة المال مع البركة وباب الدعاء)) ليس في (ص).
[2] في (ت): ((الولد والبركة)).
[3] زاد في (ت) و(ص): ((في)).
[4] في (ت) و(ص): ((يكون)).
[5] في (ت) و(ص): ((فالعمر)).
[6] في (ص): ((أعطاه الله)).
[7] قوله: ((صحة)) ليس في (ص).
[8] في (ت) و(ص): ((قوله ◙)).
[9] في (ت): ((ترفع البلاء)) وفي (ص): ((تدفع البلاء)).
[10] في (ت): ((يرفع)).
[11] في (ت): ((غضب الرب. أفلا)) وفي (ص): ((غضب الرب ألا)).
[12] قوله: ((الكلام فيها في موضعها)) ليس في (ت).
[13] قوله: ((إن شاء الله تعالى)) ليس في (ت) وقوله: ((ويصرفه وكل ذلك...إن شاء الله تعالى)) ليس في (ص).