شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول النبي: «من آذيته فاجعله له زكاةً ورحمة»

          ░34▒ بابُ قَوْلِ النَّبيِّ صلعم: (مَنْ آذَيْتُهُ، فَاجْعَلْهُ لَهُ(1) زَكَاةً وَرَحْمَةً).
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَنَّه سَمِعَ النَّبيَّ صلعم يَقُولُ: اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ، فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً(2) يَوْمَ الْقِيَامَةِ). [خ¦6361]
          هذا الحديث يصدِّقُه ما ذكرَه الله تعالى في كتابِه مِن صفة رسولِه صلعم في قولِه: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} إلى قولِه {رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}(3)[التوبة:128]وهو ◙ لا يسبُّ أحدًا ولا يؤذيه ظالمًا(4) له، وإنَّما يفعل مِن ذلك الواجب في شريعتِه وقد يدع الانتقام لنفسِه لما جبلَه الله عليه مِن العفو / وكريم الخلق صلعم.
          ومعنى هذا الحديث والله أعلم، التَّأنيس للمسبوب لئلَّا يستولي عليه الشَّيطان ويقنِّطُه ويوقع بنفسِه أنَّه سيلحقُه(5) مِن ضرر سبِّه ما يحبط به عملُه إذ(6) سبُّه صلعم هو دعاء على المسبوب، ودعاؤه مجاب، فسأل الله تعالى أن يجعل سبَّه للمؤمنين قربة عنده يوم القيامة وصلاةً ورحمةً، ولا يجعله نقمةً ولا عذابًا.


[1] قوله: ((آذيته فاجعله له)) ليس في (ص).
[2] في (ت) و(ص): ((قربة له)).
[3] في (ت) و(ص): ((مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)).
[4] في (ت) و(ص): ((ظلماً)).
[5] في (ز): ((أن يستلحقه)) وفي (ت): ((أن سيلحقه)) والمثبت من (ص).
[6] في (ت): ((إذا)).