شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الدعاء بالموت والحياة

          ░30▒ بابُ الدُّعَاءِ بِالْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ.
          فيه: خَبَّابٌ: (أَنَّهُ اكْتَوَى سَبْعًا، وقَالَ: لَوْلَا أَنَّ النَّبيَّ صلعم نَهَى أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ). [خ¦6349]
          وفيه: أَنَسٌ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ، فَلْيَقُلِ، اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لي). [خ¦6350]
          معنى هذين الحديثين على الخصوص، وقد بيَّن صلعم ذلك في الحديث فقال: (لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ) فقد يكون له في ذلك الضرِّ خير(1) لدينِه ودنياه، إمَّا تمحيص لذنوب سلفت له وطهور مِن سيِّئات، كما قال ◙ للشَّيخ الَّذي زاره في مرضِه وقد أصابتْه الحمَّى فقال له(2) صلعم: ((لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللهُ)) وقد يكون له في المرض منافع، منها:
          أن يكون المرض سببًا إلى امتناعِه مِن سيِّئات كان يعملُها لو كان صحيحًا، أو بلاء يندفع عنه في نفسِه ومالِه، فالله أنظر لعبدِه المؤمن فينبغي له الرضا عن الله ╡ في مرضِه وصحَّتِه ولا يتَّهم قَدَرَه، ويعلم أنَّه أنظر له مِن نفسِه، ولا يسألُه الوفاة عند ضيق نفسِه بمرضِه أو تعذُّر أمور دنياه عليه.
          وقد جاء وجهٌ سؤالِ الموتِ فيه مباحٌ، وهو خوف فتنة تكون سببًا لإتلاف الدِّين، فقد قال صلعم: (وَإِذَا(3) أَرَدْتَ بِقَوْمٍ(4) فِتْنَةً فَاقْبِضْنِيْ إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ) ووجه آخر وهو عند خوف المؤمن أن يضعف عن القيام بما قلَّده الله ╡ كما قال عمر: اللَّهُمَّ كبرت سنِّي وضعفت قوَّتي وانتشرت رعيَّتي فاقبضني إليك غير مضيِّع ولا مفرِّط. فخشي عمر ☺ أن يطول عمرُه ويزيد ضعفُه، ولا يقدر على القيام بما قلَّده الله وألزمَه القيام به مِن أمور رعيَّتِه، وكان سنُّه حين دعا بذلك ستِّين سنةً أو نحوها، وكذلك فعل(5) عُمَر بن عبد العزيز إذ سأل لنفسِه الوفاة وسنُّه في الأربعين حرصًا على السَّلامة مِن التَّغيير، فهذان الوجهان مباح أن يسأل فيهما الموت، وقد تقدَّم في كتاب المرضى في باب تمنِّي المريض الموت(6).


[1] في (ت) و(ص): ((خيراً)).
[2] قوله: ((له)) ليس في (ت).
[3] في (ص): ((فإذا)).
[4] في (ت) و(ص): ((بأناس)).
[5] في (ت): ((قول)).
[6] قوله: ((في باب تمنى المريض الموت)) ليس في (ت) و(ص).