نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: وما يدريك أنها رقية أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم بسهم

          5749- (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التَّبوذكي، قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) الوضَّاح اليشكري (عَنْ أَبِي بِشْرٍ) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، جعفر بن إياس أبي وحشية اليشكري البصري (عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ) علي بن داود النَّاجي _بالنون والجيم_ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) الخدريِّ ☺ (أَنَّ رَهْطًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلعم انْطَلَقُوا فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا) وكانوا ثلاثين رجلًا (حَتَّى نَزَلُوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ) بفتح الهمزة؛ أي: بطنًا من بطونهم (فَاسْتَضَافُوهُمْ) أي: طلبوا منهم الضِّيافة (فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ) بضم اللام وكسر الدال المهملة بعدها معجمة؛ أي: فلسع (سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ) بعقرب، ولم يُسمَّ ذلك السَّيد.
          (فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ) ممَّا يُتداوى به (لاَ يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ قَدْ نَزَلُوا بِكُمْ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ) ممَّا ينفع صاحبكم (فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا) لهم: (يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ، إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، فَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، لاَ يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ) هو: أبو سعيد الخدري ☺ (نَعَمْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَرَاقٍ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ) لسيِّدكم (حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا) على ذلك (فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ) عِدَتُه ثلاثون شاةً (فَانْطَلَقَ) أي: أبو سعيدٍ معهم إليه (فَجَعَلَ يَتْفِلُ) بكسر الفاء، وفي رواية أبي ذرٍّ: بضمها (وَيَقْرَأُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}) وسقط في رواية أبي ذرٍّ لفظ: / <{رب العالمين}> ويمسح عليه فبرأ (حَتَّى لَكَأَنَّمَا نُشِطَ) بضم النون وكسر المعجمة؛ أي: حلَّ (مِنْ عِقَالٍ) قيل: صوابه: أُنشِط.
          قال الجوهري: أنشطتُه؛ أي: حللته، ونشطته؛ أي: عقدته. ولكن في «القاموس»: نشط الحبل وأنشطه: حلَّه، والعِقال _بكسر العين المهملة_ الحبل الَّذي يشدُّ به.
          (فَانْطَلَقَ) حال كونه (يَمْشِي) حال كونه (مَا بِهِ قَلَبَةٌ) بالفتحات، ما به علَّةٌ وألمٌ تقلَّب على الفراش من أجله، وقيل: أصله من القُلاب _بضم القاف_، وهو داءٌ يأخذُ البعير فيُمسك على قلبه فيموت من يومه.
          (قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اقْسِمُوا) هذا الغنم بيننا (فَقَالَ الَّذِي رَقَى) هو: أبو سعيد الخدري ☺ (لاَ تَفْعَلُوا) ذلك (حَتَّى نَأْتِيَ) وفي رواية أبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمستملي: <حتَّى تأتوا> (رَسُولَ اللَّهِ صلعم فَنَذْكُرَ) له (الَّذِي كَانَ) من شأننا (فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا) به (فَقَدِمُوا) بكسر الدال (عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلعم فَذَكَرُوا لَهُ) أي: للنَّبي صلعم ذلك (فَقَالَ) صلعم لأبي سعيد: (وَمَا يُدْرِيكَ) أي: أيُّ شيءٍ أدراك (أَنَّهَا) أي: الفاتحة (رُقْيَةٌ؟ أَصَبْتُمُ، اقْسِمُوا) ذلك بينكم، هذه القسمة من باب المروآت والتَّبرعات، وإلَّا فهو ملك الرَّاقي مختصٌّ به (وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ) أي: بنصيبٍ، وفي رواية الكُشميهني: <معهم> بالهاء بدل الكاف. وإنَّما قاله صلعم تطييبًا لقلوبهم، ومبالغةً في تعريفهم أنَّه حلالٌ.
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة تُؤخذ من قوله: ((فجعل يتفِل))، وقد تقدَّم أنَّ النَّفث دون التَّفل فإذا جاز التَّفل جاز النَّفث بالطَّريق الأولى. وقد مضى الحديث قريبًا في باب «الرقية بفاتحة الكتاب» [خ¦5736].