نجاح القاري لصحيح البخاري

باب السحر، وقول الله تعالى {ولكن الشياطين كفروا }

          ░47▒ (بابُ السِّحْرِ) بكسر السين المهملة وسكون الحاء المهملة، قال الرَّاغب وغيره: السِّحر يطلق على معان: أحدها: ما لطفَ ودقَّ، ومنه: سحرتُ / الصَّبي خدعته واستملته، فكلُّ من استمال شيئًا فقد سحره، ومنه إطلاقُ الشُّعراء: سحر العيون؛ لاستمالتها النُّفوس.
          ومنه قول الأطبَّاء: الطَّبيعة ساحرةٌ، ومنه قوله تعالى: {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر:15] ؛ أي: مصروفون عن المعرفة، ومنه حديث: ((إنَّ من البيان لسِحرًا)) [خ¦5767]، وسيأتي قريبًا في باب مفرد.
          الثَّاني: ما يقعُ بخداع وتخييلات لا حقيقةَ لها نحو ما يفعله المشعوذ من صرفِ الأبصار عمَّا يتعاطاهُ بخفَّة يده، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طـه:66]، وقوله تعالى: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} [الأعراف:116]، ومن هناك سمُّوا موسى ╕ ساحرًا. وقد يستعينُ في ذلك بما يكون فيه خاصيَّة كالحجر الَّذي يجذب الحديد المسمَّى بالمغنطيس.
          الثَّالث: ما يحصل بمعاونة الشَّياطين بضرب من التَّقرُّب إليهم، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة:102].
          الرَّابع: ما يحصل بمخاطبةِ الكواكب، واستنزال روحانيَّتها بزعمهم. قال ابنُ حزم: ومنه ما يُؤخذ من الطَّلسمات كالطَّابع المنقوش فيه صورة عقرب في وقت كون القمر في العقرب، فينفعُ إمساكه من لدغة العقربِ، وكالمشاهَد ببعضِ بلاد المغرب، وهي سرقسطة، فإنَّه لا يدخلها ثعبان قط إلَّا إن كان بغير إرادته.
          وقد يَجمع بعضهم بين الأمرين الأخيرين الاستعانة بالشَّياطين ومخاطبة الكواكب، فيكون ذلك أقوى من غيره بزعمهم. قال أبو بكر الرَّازي في «الأحكام» له: كان أهل بابل قومًا صابئين يعبدون الكواكب السَّبعة، ويسمُّونها آلهةً، ويعتقدون أنَّها الفعالة لكلِّ من في العالم، وعملوا أوثانًا على أسمائها، ولكلِّ واحدٍ هيكل فيه صنمه يُتقرَّب إليه بما يوافقه بزعمهم من أدعية وبخور، وهم الَّذين بُعث إليهم إبراهيم ╕، / وكانت علومهم أحكام النُّجوم، ومع ذلك فكانت السَّحرة منهم يستعملون سائر وجوه السِّحر، وينسبونها إلى فعل الكواكب؛ لئلَّا يبحثَ عنها، وينكشفَ تمويههم. انتهى.
          ثمَّ إنَّ السِّحر يطلقُ ويراد به الآلة التي يسحرُ بها، ويطلقُ ويراد به فعل السَّاحر، والآلة تارةً تكون معنًى من المعاني فقط كالرُّقى، والنَّفث في العقد، وتارةً تكون بالمحسوسات كتصوير صورةٍ على صورة المسحور، وتارةً تجمع الأمرين الحسي والمعنوي، وهو أبلغ.
          واختلف في السِّحر فقيل: هو تخييلٌ فقط ولا حقيقة له، وهذا اختيار أبي جعفر الاستراباذي من الشَّافعيَّة، وأبي بكر الرَّازي من الحنفيَّة، وابن حزم الظَّاهري وطائفة. قال النَّووي: والصَّحيح: أنَّ له حقيقة، وبه قطعَ الجمهور، وعليه عامَّةُ العُلماء، ويدلُّ عليه الكتاب والسُّنَّة الصَّحيحة المشهورة. انتهى.
          لكن محلُّ النِّزاع هل يقع بالسِّحر انقلاب عينٍ أو لا؟ فمن قال: إنَّه تخييلٌ فقط منع ذلك. ومن قال: إنَّ له حقيقة اختلفوا هل له تأثير فقط بحيث يغير المزاج، ويكون نوعًا من الأمراض، أو ينتهي إلى الإحالة بحيث يصيرُ الجماد حيوانًا مثلًا، وعكسه؟ فالَّذي عليه الجمهور هو الأوَّل، وذهب طائفةٌ قليلة إلى الثَّاني، فإن كان بالنَّظر إلى القدرة الإلهية فمسلَّمٌ، وإن كان بالنَّظر إلى الواقع فهو محلُّ الخلاف، فإن كثيرًا ممَّن يدَّعي ذلك لا يستطيعُ إقامة البرهان عليه.
          ونقل الخطابيُّ: أنَّ قومًا أنكروا السِّحر مطلقًا، وكأنَّه عنى القائلين بأنَّه تخييل فقط، وإلَّا فهي مكابرة. وقال المازريُّ: جمهور العلماء على إثبات السِّحر، وأنَّ له حقيقة، ونفى بعضهم حقيقته، وأضاف ما يقعُ منه إلى خيالات باطلةٍ، وهو مردودٌ لورود النَّقل بإثبات السِّحر، ولأنَّ العقل لا ينكر أن الله قد يخرقُ العادة عند نطق السَّاحر بكلامٍ ملفَّقٍ، أو تركيب أجسام، أو مزج بين قوى على ترتيب / مخصوصٍ.
          ونظير ذلك: ما يقعُ من حذاق الأطبَّاء من مزج بعض العقاقير ببعضٍ حتَّى ينقلبَ الضَّارُّ منها بمفرده، فيصير بالتَّركيب نافعًا، وقيل: لا يزيدُ تأثير السِّحر على ما ذكره الله تعالى في قوله: {يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة:102] ؛ لكون المقام مقام تهويل، فلو جاز أن يقعَ به أكثر من ذلك لذكره.
          قال المازريُّ: والصَّحيح من جهة العقل: أنَّه يجوز أن يقعَ به أكثر من ذلك. قال: والآية ليست نصًا في منع الزِّيادة، ولو قلنا: إنَّها ظاهرة في ذلك. ثمَّ قال: والفرقُ بين السِّحر والمعجزة والكرامة أنَّ السِّحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال، حتى يتمَّ للسَّاحر ما يريد، والكرامةُ لا تحتاج إلى ذلك، بل إنَّما تقعُ غالبًا اتِّفاقًا، وأمَّا المعجزة فتمتازُ عن الكرامة بالتَّحدِّي. ونقل إمامُ الحرمين الإجماع على أنَّ السِّحر لا يظهر إلَّا من فاسقٍ، وأنَّ الكرامة لا تظهرُ على فاسق.
          ونقل النَّووي في «زيادات الروضة» عن المتولِّي نحو ذلك، وينبغي أن يعتبرَ بحال من يقع الخارق منه، فإن كان متمسِّكًا بالشَّريعة متجنِّبًا للموبقات، فالَّذي يظهرُ على يدهِ من الخوارق كرامةٌ، وإلَّا فهو سحرٌ؛ لأنَّه ينشأ عن أحدِ أنواعه كإعانة الشَّياطين.
          وقال القرطبي: السِّحر: حِيَلٌ صناعيَّة يتوصَّل إليها بالاكتساب، غير أنَّها لدقَّتها لا يَتوصَّل إليها إلَّا آحاد النَّاس، ومادته الوقوف على خواص الأشياء والعلم بوجوه تركيبها وأوقاته، وأكثرها تخييلات بغير حقيقةٍ، وإبهامات بغير ثبوت، فيَعظُم عنه من لا يَعرف ذلك، كما قال الله ╡ عن سحرة فرعون: {وَجَاؤُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف:116] مع أنَّ حبالهم وعِصيِّهم لم تَخرج عن كونها حبالًا وعصيًا. ثمَّ قال: والحقُّ أنَّ لبعض أصناف السِّحر تأثيرًا في القلوب كالحبِّ والبغضِ وإلقاء الخير والشَّر، وفي الأبدان بالألم والسُّقم، وإنَّما المنكر أنَّ الجمادَ / ينقلب حيوانًا، أو عكسه بسحر السَّاحر. انتهى. ولا شكَّ أنَّ السِّحر نوعٌ من المرضِ، وهو يمرضُ المسحور، ولهذا ذكر صلعم : ((أما والله لقد شفاني)) [خ¦5765] والشِّفاء إنَّما يكون لمرضٍ موجودٍ، ولذا ذُكِر في «كتاب الطِّب».
          (وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى) بالجرِّ عطفًا على «السِّحر» المضاف إليه لفظ الباب ({وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة:102] الآيَة) هكذا في رواية الأكثر، وفي رواية كريمة: ساقها إلى قوله: <{مِنْ خَلَاقٍ}> ففي هذه الآية: بيان أصل السِّحر الَّذي يَعمل به اليهود، ثمَّ هو ممَّا وضعته الشَّياطين على سليمان بن داود ♂، وممَّا أنزل الله تعالى على هاروت وماروت بأرض بابل، وهذا متقدِّم العهد على الأوَّل؛ لأنَّ قصَّة هاروت وماروت كانت من قبل زمن نوح ◙ على ما ذكرَ ابن إسحاق وغيره.
          وكان السِّحر موجودًا في زمن نوح ◙، إذ أخبر الله تعالى عن قوم نوح ◙: أنَّهم زعموا أنَّه ساحر، وكان السِّحر أيضًا فاشيًا في قوم فرعون، وكلُّ ذلك قبل سليمان ◙.
          وملخَّص ما ذكر في تفسير هذه الآية ما قاله السُّدِّي: كانت الشَّياطين تصعد إلى السَّماء، فتقعد منها مقاعد للسَّمع فيسمعون من كلام الملائكة ما يكون في الأرض من موتٍ، أو غيثٍ، أو أمر، فيأتون الكهنة فيخبرونهم، فتحدّث الكهنة النَّاسَ فيجدونه كما قالوا، وزادوا مع كلِّ كلمةٍ سبعين كلمة، فاكتتب النَّاس ذلك الحديث في الكتب، وفشا في بني إسرائيل أنَّ الجنَّ تعلم الغيب.
          فبعث سُليمان ◙ لجمع تلك الكتب التي فيها الكهانة والسِّحر، فجعلها في صندوقٍ، ثمَّ دفنها تحت كرسيِّه، ولم يكن أحدٌ من النَّاس يستطيع أن يدنوَ من الكرسيِّ إلَّا احترقَ، وقال: لا أسمع أحدًا يذكر أنَّ الشَّياطين يعلمون الغيب إلَّا ضربتُ عنقه.
          فلمَّا مات سُليمان ◙ وذهب العلماء الذين كانوا يعرفون أمر سليمان ◙، جاءهم شيطانٌ في صورة إنسان فقال لهم(1) : هل أدلُّكم على كنزٍ لا نظيرَ له، قالوا: نعم، / قال: فاحفروا تحت الكرسيِّ فحفروا، وهو متنحٍّ عنهم.
          فوجدوا تلك الكتب فلمَّا أخرجوها، قال لهم الشَّيطان: إنَّ سُليمان إنَّما كان يضبطُ الإنس والجنَّ والطَّير بهذا، ثمَّ طار وذهب ففشا فيهم أنَّ سُليمان ◙ كان ساحرًا، فاتخذتْ بنو إسرائيل تلك الكتب، فلمَّا نزل القرآن بذكر سُليمان ◙ في الأنبياء أنكرتِ اليهود ذلك، وقالوا: إنَّما كان ساحرًا فنزلتْ هذه الآية، أخرجه الطَّبري وغيره عن السُّدِّي. ومن طريق سعيد بن جبير بسندٍ صحيحٍ نحوه، ومن طريق عمران بن الحارث عن ابن عبَّاس ☻ موصولًا بمعناه.
          وأخرج من طريق الرَّبيع بن أنس نحوه، ولكن قال: إنَّ الشَّياطين هي التي كتبت كتب السِّحر ودفنها تحت كرسيه، ثمَّ لما مات سُليمان ◙ استخرجته، وقالوا: هذا العلم الذي كان سليمان ◙ يكتمه النَّاس.
          وأخرجهُ من طريق محمد بن إسحاق، وزاد: أنَّهم نقشوا خاتمًا نقشَ خاتم سليمان ◙ وختموا به الكتاب، وكتبوا عنوانه: هذا ما كتب آصف بن برخيا الصِّدِّيق للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم، ثمَّ دفنوه، فذكر نحو ما تقدَّم.
          وأخرج من طريق العوفي عن ابن عبَّاس ☻ نحو ما تقدَّم عن السُّدِّي، ولكن قال: إنَّهم لما وجدوا الكتب قالوا: هذا ممَّا أنزل الله على سليمان ◙ فأخفاه منَّا.
          وأخرج بسندٍ صحيحٍ عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس ☻ ، قال: انطلقت الشَّياطين في الأيام التي ابتُلي فيها سُليمان فكتبت كتبًا فيها سحرٌ وكفرٌ، ثمَّ دفنتها تحت كرسيِّه، ثمَّ أخرجوها بعده فقرؤوا على النَّاس.
          ثم إنَّه تعالى حكى قصَّة ذلك، وقال: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ} [البقرة:102] هم أهل الكتاب، إذ تقدَّم قبل ذلك في الآيات إيضاح ذلك، والجملة معطوفةٌ على مجموع الجمل السَّابقة من قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ} [البقرة:101] إلى آخر الآية. و{مَا} في قوله: / {مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ} [البقرة:102] موصولةٌ على الصَّواب، وغلط من قال: إنَّها نافيةٌ؛ لأنَّ نظم الكلام يأباه و{تتلوا} لفظه مضارع، لكن هو واقع موقع الماضي، وهو استعمالٌ شائع، ومعنى تتلو: تتقول، ولذلك عدَّاه بـ«على» وقال: {عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} وقيل: معناه: تتبع، أو تقرأ، ويحتاج إلى تقدير قيل: هو تقرأ على زمان مُلك سليمان {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} تكذيب لمن زعم ذلك، وعبَّر عن السِّحر بالكفر؛ ليدلَّ على أنَّه كفر، وأنَّ من كان نبيًا كان معصومًا عنه {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} هذه الواو عاطفة لجملة الاستدراك على ما قبلها، وكفرهم باستعمال السِّحر وتدوينه {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} «النَّاس» مفعول أوَّل، و«السِّحر» مفعول ثان، والجملة حال من فاعل «كفروا»؛ أي: كفروا معلِّمين النَّاس السِّحر، وقيل: هي بدلٌ من «كفروا»، وقيل: استئنافيَّة، وهو على إعادة ضمير {يُعَلِّمُونَ} إلى {الشَّيَاطِين}، ويحتمل عوده إلى الَّذين أتبعوا، فيكون حالًا من فاعل {اتَّبِعُوا}، أو استئنافًا.
          {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} «ما» موصولة ومحلها النَّصب عطفًا على «السِّحر»، والتَّقدير: يعلمون النَّاس السِّحر والمنزَّل على الملكين، أو عطفًا على {تَتلو}؛ أي: واتَّبعوا ما تتلو الشَّياطين، وما أنزل على الملكين وعلى هذا فما بينهما اعتراض. وقيل: محلها الجرُّ عطفًا على «ملك سليمان»، والتَّقدير: تتلو على ملك سُليمان وما أنزل. وقيل: هي عطفٌ على {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ}، والمعنى: ولم ينزل على الملكين إباحة السِّحر، فكلمة «ما» نفي.
          قال القرطبي: «ما» نفي والواو للعطف على قوله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} [البقرة:102] و{وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} [البقرة:102]، {ولكن الشَّياطين كفروا يعلمون النَّاس السِّحر} [البقرة:102]. والجمهور على خلافه وأنَّها موصولة، وردَّ الزُّجاج على الأخفش دعواه أنَّها نافية، وقال الذي جاء في الحديث والتَّفسير أولى، والجمهور على فتح لام الملَكين، وقرئ في الشِّواذ: بكسرها.
          {بِبَابِلَ} متعلق بـ{أُنْزِلَ}؛ أي: في بابل، ويجوز أن يكون في محلِّ نصب على الحال من الملَكَين، أو من الضَّمير في {أُنْزِلَ} فيتعلَّق بمحذوف، وهي مدينةٌ بناها نمروذ بن كنعان، ويُنسب إليها السِّحر والخمر، وهي اليوم خرابٌ، وهي أقدمُ أبنية العراق، وكانت مدينة الكنعانيين وغيرهم، وقيل: إنَّ الضَّحَّاك أوَّل من بنى بابل، وقال مؤيِّد الدَّولة: / وببابل أُلقيَ إبراهيم ◙ في النَّار، قيل: وسمِّيت بذلك لتبلبل الإنس بها عند سقوط صرح نمروذ.
          {هَارُوتَ وَمَارُوتَ} بدلٌ من «الملَكَين»، أو عطف بيان وجُرَّا بالفتحة؛ لأنَّهما لا ينصرفان للعجمة والعلميَّة. وقيل: بل هما بدلٌ من «النَّاس»، وهو بعيدٌ. وقيل: من «الشَّياطين» على أنَّ هاروت وماروت اسمان لقبيلتين من الجنِّ، وهو ضعيفٌ.
          قال العيني: والأصحُّ أنَّهما كانا ملَكَين من السَّماء أنزلا إلى الأرض، فكان من أمرهما ما كان.
          وقال الحافظُ العسقلاني: وقصَّة هاروت وماروت جاءت بسندٍ حسنٍ، من حديث ابن عمر ☻ في «مسند أحمد». وأطنبَ الطَّبري في إيراد طرقها بحيث تفضي بمجموعها إلى أنَّ للقصَّة أصلًا خلافًا لمن زعم بطلانها كالقاضي عِياض ومن تبعه.
          ومحصِّلها: أنَّ الله ركب الشَّهوة في ملَكَين من الملائكة اختبارًا لهما وأمرهما أن يَحكما في الأرض، فنزلا على صورة البشر، وحكما بالعدل مدَّةً، ثمَّ افتتنا بامرأةٍ جميلة، فعُوقبا بسبب ذلك بأن حُبِسا في بئرٍ ببابل منكَّسين، وابتليا بالنُّطق بعلم السِّحر، فصار يقصدهما من يطلبُ ذلك؛ ليتعلَّم منهما ذلك، وهما قد عرفا ذلك فلا ينطقان بحضرة أحدٍ حتى يُحذِّراه وينهياه، فإذا أصرَّ تكلَّما بذلك، فيتعلم منهما ما قصَّ الله عنهما، والله أعلم. انتهى.
          {وَمَا يُعَلِّمَانِ} بالتَّشديد من التَّعليم؛ أي: هاروت وماروت {مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا} أي: حتَّى ينهياه وينصحاه ويقولا له: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ} أي: محنة وابتلاء من الله تعالى؛ ليتميَّز المطيع من العاصي كقولك: فتنت الذَّهب بالنَّار: إذا عرضتَه عليها؛ ليتميز الخالص عن المشوب {فَلَا تَكْفُرْ} وقرئ في الشِّواذ: (▬وما يعْلمان↨) بسكون العين من الإعلام بناء على أنَّ التَّضعيف يتعاقبُ مع الهمزة، وذلك أنَّ الملَكَين لا يعلمان النَّاس السِّحر، بل يُعْلِمانهم به، وينهيانهم عنه، والأوَّل أشهر، وقد قيل: يُعلِّمان تعليم إنذار لا تعليم طلب.
          {فَيَتَعَلَّمُونَ} عطف على {وَمَا يُعَلِّمَانِ}، والضَّمير في {فَيَتَعَلَّمُونَ} / لما دلَّ عليه {مِنْ أَحَدٍ} أي: فيتعلم النَّاس {مِنْهُمَا} أي: من الملكين {مَا} أي: الَّذي {يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} وهو علم السِّحر الَّذي يكون سببًا في التَّفريق بين الزَّوجين بأن يُحْدِثِ اللهُ عنده النُّشوز والخلاف ابتلاء منه.
          وللسِّحر حقيقةٌ عند أهل السُّنَّة، وعند المعتزلة هو تخييلٌ وتمويهٌ، كما سبق التَّفصيل في ذلك. وقيل: التَّفريق إنما يكون بأن يعتقدَ أن السِّحر مؤثِّرٌ في هذا التَّفريق، فيصير كافرًا، وإذا صار كافرًا بانت منه زوجته.
          {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ} أي: بالسِّحر {مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} «ما» حجازيَّة، فـ«هم» اسمها، و«بضارِّين» خبرها، والباء مزيدة فهو في محلِّ نصب، أو تميمية فهم مبتدأٌ، وبضارين خبره، والباء مزيدة أيضًا فهو في محلِّ رفع، والضَّمير فيه عائدٌ إلى السَّحرة العائد إليهم ضمير {فيتعلَّمون}، أو إلى اليهود العائد إليهم ضمير {واتبعوا}، أو يعود إلى {الشَّياطين}.
          وقوله: {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} استثناءٌ مفرَّغٌ من الأحوال فهو في موضع نصب على الحال، وصاحبه الفاعل المستكن في {بِضَارِّينَ}، أو المفعول، وهو «أحد»، وجاءت الحال من النَّكرة؛ لاعتمادها على النَّفي، أو الهاء في «به»؛ أي: بالسِّحر، والتَّقدير: وما يضرُّون أحدًا بالسِّحر إلَّا ومعه علم الله، أو مقرونًا بإذن الله ونحو ذلك، فإن قيل: الإذن حقيقة في الأمر، والله لا يأمر بالسِّحر، لأنَّه ذمَّهم عليه ولو أمرهم به لما جاز أن يذمهم عليه.
          فالجوابُ أنَّ المراد منه التَّخلية؛ يعني: إذا سحر الإنسان فإن شاء الله منعه منه، وإن شاء خلَّى بينه وبين ضرر السِّحر، أو المراد إلَّا بعلم الله، ومنه سمِّي الأذان؛ لأنَّه إعلامٌ بدخول الوقت، أو أنَّ الضَّرر الحاصل عند فعل السِّحر، إنَّما يحصل بخلق الله.
          {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} في الآخرة؛ لأنَّهم يقصدون الشَّر {وَلَقَدْ عَلِمُوا} أي: هؤلاء اليهود {لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة:102] من نصيبٍ. واستعير لفظ الاشتراء لوجهين:
          أحدهما: أنَّهم لما نبذوا كتاب الله وراءَ ظهرهم، وأقبلوا على التَّمسُّك بما تتلوا الشَّياطين، / فكأنَّهم اشتروا السِّحر بكتاب الله.
          وثانيهما: أنَّ الملَكَين إنَّما قصدا بتعليم السِّحر الاحترازَ عنه وهؤلاء أبدلوا ذلك الاحتراز بالوصول إلى منافع الدُّنيا.
          وقد اختلف في المراد بالآية فقيل: إنَّ قوله: {واتبعوا} هم اليهود الذين كانوا في زمن نبينا صلعم . وقيل: هم الذين كانوا في زمن سليمان ◙ من السَّحرة؛ لأنَّ أكثر اليهود ينكرون نبوة سليمان ◙ ويعدُّونه من جملة ملوك الدُّنيا، وهؤلاء ربَّما اعتقدوا فيه أنَّه إنَّما وَجَدَ المُلك العظيم بسبب السِّحر. وقيل: إنَّه يتناول الكلَّ، قيل: وهو أولى.
          واختلف أيضًا في المراد بالشَّياطين، فقيل: شياطين الإنس، وقيل: هم شياطين الإنس والجن. وقال السُّدِّي: إنَّ الشَّياطين كانوا يسترقون السَّمع ويضمُّون إلى ما سمعوا أكاذيب يلقونها إلى الكهنة فدونوها في الكتب وعلَّموها النَّاس وفشا ذلك في زمن سُليمان ◙، وقالوا: إنَّ الجنَّ تعلم الغيب، وكانوا يقولون هذا علم سُليمان ◙ وما تمَّ ملكه إلَّا بهذا العلم، وبه سخَّر الإنس والجنَّ والرِّيح التي تجري بأمره.
          وأمَّا القائلون بأنَّهم شياطين الإنس فقالوا: رُوِي أنَّ سُليمان ◙ كان قد دفنَ كثيرًا من العلوم التي خصَّه الله تعالى بها تحت سرير ملكه بناء على أنَّه إن هلك الظَّاهر يبقى ذلك المدفون، فلمَّا مضت مدَّة على ذلك توصَّل قومٌ من المنافقين إلى أن كتبوا خلال ذلك أشياء من السِّحر تناسب تلك الأشياء من بعضِ الوجوه، ثمَّ بعد موته واطِّلاع النَّاس على تلك الكتب أوهموا النَّاس أنَّه من عمل سُليمان ◙، وأنَّه إنَّما وصل إلى ما وصل بسبب هذه الأشياء، وإنَّما أضافوا السِّحر لسليمان ◙ تفخيمًا لشأنه وترغيبًا للقوم في قبول ذلك؟ وقيل: إنَّه تعالى لما سخَّر الجنَّ لسليمان ◙ وكان يخالطُهم ويستفيد منهم / أسرارًا عجيبةً غلب على الظُّنون أنَّه ◙ استفادَ منهم السِّحر فقوله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} [البقرة:102] تنزيهٌ له ◙ عن الكفر.
          وروي أنَّ بعض الأحبار من اليهود قالوا: ألا تعجبون من محمد يزعمُ أنَّ سُليمان كان نبيًا وما كان إلَّا ساحرًا، فأنزل الله هذه الآية.
          ثمَّ إنَّه قد استدلَّ بهذه الآية على أنَّ السِّحر كفرٌ ومتعلِّمه كافرٌ، وهو واضحٌ في بعض أنواعه: وهو التَّعبُّد للشَّياطين أو للكواكب. وأما النَّوع الآخر: الَّذي هو من باب الشَّعوذة فلا يكفرُ به من تعلمه أصلًا. وقال سُنيد: عن حجَّاج عن ابن جريج في هذه الآية: لا يجترئ على السِّحر إلَّا كافر.
          وقال النَّووي: عمل السِّحر حرامٌ، وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عدَّه النَّبي صلعم من السَّبع الموبقات، ومنه ما يكون كفرًا، ومنه من لا يكون كفرًا بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قولٌ أو فعلٌ يقتضي الكفر فهو كفرٌ وإلَّا فلا.
          وأمَّا تعلُّمه وتعليمه فحرامٌ فإن كان فيه ما يقتضي الكفر كفرَ واستُتِيِب منه، ولا يُقتلُ، فإن تاب قُبلتْ توبته، وإن لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عُزِّر، وعن مالك السَّاحر كافر يقتل بالسِّحر ولا يُستتاب بل يتحتَّم قتله كالزِّنديق، وقال القاضي عياض: وبقول مالك قال أحمد وجماعة من الصَّحابة والتَّابعين، انتهى.
          وفي «فتاوى الصغرى»: السَّاحر لا يستتاب في قول أبي حنيفة ومحمد خلافًا لأبي يوسف، والزِّنديق يستتابُ عندهما، وعن أبي حنيفة روايتان، وعنه إذا أُتيت بزنديقٍ أُستتيبه فإن تابَ قبلتُ توبته، وفي المسألة اختلافٌ كثير. وقد أجاز بعض العُلماء تعلَّم السِّحر لأحد أمرين: إمَّا لتمييز ما فيه كفرٌ من غيره، وإمَّا لإزالته عمَّن وقع فيه.
          فأمَّا الأوَّل: فلا محذورَ فيه إلَّا من جهةِ الاعتقاد، فإذا سلم الاعتقاد، فمعرفة الشَّيء بمجرَّده لا تستلزم منعًا، كمن يعرف كيفيَّة عبادة أهل الأوثان للأوثان؛ لأنَّ كيفيَّة ما يعلمه السَّاحر / إنَّما هي حكاية قولٍ أو فعل بخلاف تعاطيهِ والعمل به.
          وأمَّا الثَّاني: فإن كان لا يتمُّ كما زعم بعضهم، إلَّا بنوعٍ من أنواع الكفرِ أو الفسق فلا يحلُّ أصلًا، وإلَّا جاز للمعنى المذكور، وسيأتي مزيد لذلك في «باب هل يستخرج السِّحر» [خ¦76/49-8583] قريبًا، والله تعالى أعلم، وهذا فصل الخطاب في هذه المسألة.
          وفي إيراد المصنِّف هذه الآية إشارة إلى اختيار الحكم بكفر السَّاحر لقوله فيها: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة:102]، فإنَّ ظاهرها أنَّهما كفروا بذلك، ولا يكفر بتعليم الشَّيء إلَّا وذلك الشَّيء كفر، وكذا قوله في الآية على لسان الملَكين: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة:102] فإنَّ فيه إشارةٌ إلى أنَّ تعلُّم السِّحر كفرٌ فيكون العمل به كفرًا، وهذا كلُّه واضحٌ على ما قُرَّر من العمل ببعضِ أنواعه، وقد زعم بعضُهم أنَّ السِّحر لا يصحُّ إلَّا بذلك، وعلى هذا فتسمية ما عدا ذلك سحرًا مجازٌ كإطلاق السِّحر على القول البليغ.
          ثمَّ إنَّه لا يجوز إتيان السَّاحر لما روى سفيان عن أبي إسحاق عن هبيرة عن ابن مسعود ☺ من مشى إلى ساحرٍ أو كاهنٍ فصدَّقه بما يقول فقد كفرَ بما أنزل على محمَّدٍ صلعم ، كذا قيل.
          وقال الطَّبري: نهيه صلعم عن إتيان السَّاحر إنَّما هو على التَّصديق له فيما يقول، فأمَّا من أتاه لغير ذلك وهو عالمٌ به وبحاله فليس بمنهيٍّ عنه ولا عن إتيانه.
          (وَقَوْلِهِ تَعَالَى) بالجرِّ عطفًا على المجرور السَّابق ({وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:69]) نفى الفلاح عن السَّاحر وليس فيه دلالةٌ على كفر السَّاحر مطلقًا، وإن كثر في القرآن إثبات الفلاح للمؤمن ونفيه عن الكافر، لكن ليس فيه نفي الفلاح عن الفاسق، وكذا العاصي وقوله: {حَيْثُ أَتَى} بمعنى: أينما كان.
          وقال الرَّاغب: «حيثُ» عبارة عن مكان مبهم يفسَّر بالجملة التي بعده كقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} [البقرة:150] و{مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} [البقرة:149].
          (وَقَوْلِهِ) ╡، بالجرِّ أيضًا ({أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء:3]) هذا خطابٌ لكفَّار قريش يستبعدون كون محمد صلعم / رسولًا من الله لكونه بشرًا من البشر، فقال قائلهم منكرًا على من اتبعه: أفتأتون السِّحر؛ أي: أفتتبعونه حتَّى تصيروا كمن اتَّبع السِّحر وهو يعلم أنَّه سحر.
          (وَقَوْلِهِ) تعالى: ({يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}) أوَّله: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه:66] يعني: يخيَّل إلى موسى ◙ أنَّها جاءت تسعى، وهذه الآية هي عمدةٌ من زعم أنَّ السِّحر إنَّما هو تخييل، ولا حجَّة له فيها؛ لأنَّ هذه وردت في قصَّة سحرة فرعون وكان سحرهم كذلك، ولا يلزم منه أن جميع أنواع السِّحر تخييل.
          قال أبو بكر الرَّازي في «الأحكام»: أخبر الله تعالى أنَّ الَّذي ظنَّه موسى ◙ من أنَّها تسعى لم يكن سعيًا، وإنَّما كان تخييلًا، وذلك أنَّ عِصيهم كانت مجوَّفة قد ملئت زئبقًا، وكذلك الحبال كانت من أدمٍ محشوَّةٍ زئبقًا وقد حفروا قبل ذلك أسرابًا وجعلوها آزاجًا ملؤها نارًا، فلمَّا طرحت على ذلك الموضع وحمي الزِّئبق حركها؛ لأنَّ من شأن الزِّئبق إذا أصابته النَّار أن يطيرَ، فلمَّا أثقلته كثافة الحبال والعصي طارت تتحرَّك بحركتهِ فظنَّ من رآها أنَّها تسعى ولم تكن تسعى حقيقةً.
          (وَقَوْلِهِ) ╡: ({وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق:4] وَالنَّفَّاثَاتُ: السَّوَاحِرُ) فسَّرَ النَّفاثات بالسَّواحر الحسنُ البصري، أخرجه الطَّبري بسندٍ صحيحٍ عنه، وذكر أبو عبيدة في «المجاز» أيضًا قال: النَّفَّاثات: السَّواحر ينفثنَ. وقيل: النَّفَّاثات: النُّفوس أو الجماعات اللاَّتي يعقدنَ سحرًا في خيوطٍ وينفثنَ عليها ويرقينَ، وأخرج الطَّبري أيضًا عن جماعةٍ من الصَّحابة وغيرهم، أنَّه النَّفث في الرُّقية.
          وقد وقع في حديث ابن عبَّاس ☻ فيما أخرجه البيهقي في «الدلائل» بسندٍ ضعيفٍ في آخر قصَّة السِّحر الَّذي سُحِر به النَّبي صلعم أنَّهم وجدوا وترًا فيه إحدى عشرة عقدة، وأنزلت سورة الفلق والنَّاس فجعل كلَّما قرأ آيةً انحلَّت عقدة.
          وأخرجه ابن سعدٍ بسندٍ آخر منقطع عن ابن عبَّاس ☻ : أنَّ عليًّا وعمارًا ☻ لما بعثهما النَّبي صلعم / لاستخراج السِّحر وجدا طلعةً فيها إحدى عشرة عقدة، فذكر نحوه.
          ({تُسْحَرُونَ} تُعَمَّوْنَ) بضم أوله وفتح المهملة وتشديد الميم المفتوحة، وضبط أيضًا بسكون العين. قال أبو عبيدة في كتاب «المجاز» في قوله تعالى: {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون:89] أي: كيف تَعْمَون عن هذا وتصدُّون عنه من قوله: سُحِرَتْ أعيننا عنه فلم تُبصره، وقيل: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون:89] أي: تخدعون أو تصرفون عن التَّوحيد والطَّاعة.
          وقال ابن عطيَّة: السِّحر هنا مستعارٌ لما وقع منهم من التَّخليط، ووضع الشَّيء في غير موضعه كما يقعُ من المسحور، وفي هذه الآية إشارةٌ إلى أنَّ السِّحر هنا ما هو من أنواعه المذكورة سابقًا وهو ما لطف ودقَّ، ومنه سحرت الصَّبيَّ؛ أي: خدعته واستملته، فكلُّ من استمال شيئًا فقد سحره.


[1] في هامش الأصل: في نسخة: جاء شيطان في صورة إنسان إلى نفر من بني إسرائيل فقال لهم.