نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: لا هامة.

          ░53▒ (بابٌ لاَ هَامَةَ) بتخفيف الميم في رواية الجميع، وخالفهم أبو زيد فقال: هي بالتَّشديد، فكأنَّه ذهب إلى أنَّها واحدة الهوام، من باب همَّ بالأمر إذا عزمَ عليه، والهوام ذوات السُّموم، وقيل: ذوات الأرض التي تهم بأذى النَّاس. ومنه الحديث: كان النَّبي صلعم يعوذُ الحسنَ والحسين ☻ ، فيقول: أعيذُ بكلمات الله التَّامَّة من كلِّ سامَّةٍ وهامة [خ¦3371]. قيل: الهامَّةُ كلُّ ذات سمٍّ تقتلُ، والجمع: الهوام، فأمَّا ما يسم ولا يقتلُ فهو السَّامة كالعقرب والزُّنبور، وقد تطلقُ الهوام على ما يدبُّ على الأرض من الحيوان، وإن لم يقتلْ كالحشرات، وهذا لا يصحُّ نفيه إلَّا إن أريدَ أنَّها لا تضرُّ لذواتها، وإنَّما تضرُّ إذا أراد الله إيقاع الضَّرر بمن أصابته، وقد ذكر الزُّبير بن بكَّار أنَّ العرب كانت في الجاهليَّة تقول: إذا قتل الرَّجل فلم يؤخذْ بثأرهِ خرجت من رأسه هامَة، وهي دودةٌ فتدورُ حول قبرهِ، فتقول: اسقوني اسقوني، فإن أُدرِكَ بثأرِهِ ذهبتْ وإلَّا بقيت، وفي ذلك يقول شاعرهم:
يَا عَمْرُو إِنْ لَا تَدَعْ شَتْمِي وَمَنْقَصَتِي                     أَضْرِبْكَ حَتَّى تَقُولَ الهَامَةُ اسْقُونِي
          قال: وكانت اليهود تزعمُ أنَّها تدور حول قبره سبعة أيَّام، ثمَّ تذهب. وذكر ابنُ فارس وغيره من اللُّغويين نحو الأوَّل إلَّا أنَّهم لم يعينوا كونها دودة بل قال القزَّاز: الهامَة طائرٌ من طير اللَّيل، كأنَّه يعني: البومة.
          وقال ابنُ الأعرابي: كانوا يتشائمون بها إذا وقعتْ على بيت أحدهم، يقول: نعت إليَّ نفسي أو أحدًا من أهل داري.
          وقال أبو عبيد: كانوا يزعمون أنَّ عظامَ الميت تصيرُ هامَة فتطير، ويسمُّون ذلك الطَّائر: الصدي، فعلى هذا فالمعنى في الحديث لا حياةَ لهامة الميِّت، وعلى الأوَّل لا شؤمَ بالبومة ونحوها، ولعلَّ المصنِّف ترجم: لا هامة مرَّتين بالنَّظر إلى هذين التَّفسيرين. /