نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: لا صفر

          ░25▒ (بابٌ لاَ صَفَرَ) بفتحتين (هْوَ دَاءٌ يَأْخُذُ الْبَطْنَ) فسَّره بذلك؛ لأنَّه الذي اختاره، وقد نقل أبو عبيدة مَعمر بن المثنى في «غريب الحديث» له عن يونس بن عبيد / الجَرْمي: أنَّه سأل رؤبة بن العجاج فقال: هي حيَّةٌ تكون في البطن تصيبُ الماشية والنَّاس، وهي أعدى من الجرب عند العرب، فعلى هذا فالمراد بنفي الصَّفر نفي ما كانوا يعتقدون فيه من العدوى.
          ورَجَحَ عند البُخاري هذا القول؛ لكونه قُرِنَ في الحديث بالعدوى، وكذا رجَّح الطَّبري هذا القول، واستشهد له بقول الأعشى:
وَلَا يَعَضُّ عَلَى شُرْسُوْفِهِ الصَّفَرُ
          والشُّرْسُوف _بضم المعجمة وسكون الراء ثمَّ مهملة ثمَّ فاء_: الضِّلع، والصَّفر: دودٌ يكون في الجوف فربما عضَّ الضِّلع، أو الكبد فقتل صاحبه، وقيل: المراد بالصفر: الحيَّة، لكنَّ المراد بالنَّفي نفي ما كانوا يعتقدون أنَّ مَنْ أصابه قتله فردَّ ذلك الشَّارع بأنَّ الموت لا يكون إلَّا إذا فرغ الأجل. وقد جاء هذا التَّفسير عن جابرٍ ☺، وهو أحد رواة حديث: ((لا صفر)) قاله الطَّبري.
          وقيل: في الصَّفر قولٌ آخر وهو: أنَّ المراد به شهر صفر، وذلك أنَّ العرب كانت تُحرِّم صفر، وتستحلُّ المُحرَّم، كما تقدَّم في «كتاب الحج» [خ¦1564]، فجاء الإسلام بردِّ ما كانوا يفعلونه من ذلك، فلذلك قال صلعم : ((لا صفر)). قال ابن بطَّال: وهذا القول يُروى عن مالك.
          والصَّفر أيضًا وجعٌ في البطن يأخذُ من الجوع ومن اجتماع الماء الذي يكون منه الاستسقاء، ومن الأوَّل حديث: ((صفرة في سبيل الله خير من حمر النَّعَم)) أي: جوعة، ويقولون: صفر الإناء إذا خلا عن الطَّعام، ومن الثَّاني ما سبق في «الأشربة» في حديث ابن مسعود ☺: أنَّ رجلًا أصابه الصَّفر فنعت له السَّكر؛ أي: حصل له الاستسقاء فوصف له النَّبيذ، وحملَ الحديث على هذا لا يتَّجه بخلاف ما سبق، والله تعالى أعلم.