نجاح القاري لصحيح البخاري

باب حرق الحصير ليسد به الدم

          ░27▒ (بابُ حَرْقِ الْحَصِيرِ) كذا في رواية الأكثر، والقياس: إحراقُ الحصير؛ لأنَّه من أَحْرَقَ، لكن له توجيه، كذا قال الحافظُ العسقلاني. وقال ابن التِّين: أو يُقال: تحريقُ الحصير. وقال العيني: يُقال: حرقت الشَّيء، وأمَّا أحرقتُ وحرَّقت فلا يُقال إلَّا إذا أريد المبالغة، وأطلقَ الحصير ليشملَ أنواع الحصير كلها (لِيُسَدَّ بِهِ الدَّمُ) أي: ليُؤخذَ رمادُه ويسدُّ به الدَّم؛ أي: يقطع به الدَّم النَّازل من الجرحِ، وهو بالسين المهملة. وقال الحافظُ العسقلاني: أي: مجاري الدَّم. وتعقَّبه العينيُّ: بأنَّ المقصود سدُّ الدَّم لا سدُّ مجاريه، فربما سدُّ مجاريه يضرُّ لانحباسِ الدَّم المنفصلِ من البدن فيها، فيتضرَّر المجروح من ذلك فمِنْ طبع الرَّماد أنَّه يقطع الدَّم وينشِّف مجراه.
          قال أهل الطِّب: الحصيرُ كلها إذا أحرقت تبطلُ زيادة الدَّم، والرَّماد كلُّه كذلك؛ لأنَّ الرَّماد من شأنه القبض. ولهذا ترجم التِّرمذي لحديث الباب: التَّداوي بالرَّماد.
          وقال الحافظُ العسقلاني: وكأنَّ المصنِّف ☼ أشار بهذه التَّرجمة إلى أنَّ هذا ليس من إضاعة المال؛ لأنَّه إنَّما يُفعل للضَّرورة المُبيحة. وقد كان أبو الحسن القابسي يقول: وددنا لو علمنا ذلك الحصير ممَّ كان لنتخذه دواء لقطع الدَّم.
          وقال المهلَّب: فيه أن قطع الدَّم بالرَّماد كان معلومًا عندهم، لاسيَّما إن كان الحصير من ديس السَّعد فهي معلومةٌ بالقبض وطيب الرَّائحة، فالقبض يسدُّ أفواه الجرح، وطيب الرَّائحة يُذهب بزهم الدَّم، وأمَّا غسل الدَّم أوَّلًا فينبغي / إذا كان الجرح غير غائرٍ، أمَّا إذا كان غائرًا فلا يُؤمن معه ضررُ الماء إذا صُبَّ فيه، وقال الموفَّق عبد اللطيف: الرَّماد فيه تجفيفٌ وقلَّة لَذْعٍ، والمجفَّف إذا كان فيه قوَّة لذعٍ ربما هيج الدَّم وجلب الورم.