نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الحبة السوداء

          ░7▒ (بابُ) بيان (الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ) ومنافعها، وقد فسَّره الزُّهري: بأنَّها الشُّونيز على ما يجيء في آخر الباب [خ¦5688]، والشُّوْنِيْز: بضم المعجمة وسكون الواو وكسر النون وسكون التحتية بعدها زاي. وقال القرطبي: قيَّد بعض مشايخنا: الشين بالفتح.
          وحكى القاضي عِياض عن ابن الأعرابي: أنَّه كسرها، فأبدل الواو ياء، فقال: الشِّينيز، وأنَّه قال: كذا تقول العرب. وقال غيره: الشُّونيز _بالضم_، وتفسير الحبة السَّوداء بالشُّونيز؛ لشهرة الشُّونيز عندهم إذ ذاك، وأمَّا الآن فالأمر بالعكس، والحبة السَّوداء أشهرُ عند أهل هذا العصر من الشُّونيز، والعرب تقول: هي الحبَّة الخضراء، فإنَّهم يسمون الأخضر أسود، والأسود أخضر، وتفسيرها بالشُّونيز: هو الأكثر الأشهرُ. وقال عبد اللَّطيف البغدادي: هي الكمُّون الأسود، ويقال له أيضًا: الكمُّون الهندي.
          ونقل إبراهيمُ الحربي في «غريب الحديث» عن الحسن البصري: أنَّها الخردلُ. وحكى أبو عبيد الهروي في «الغريبين» أنَّها ثمرة البُطْم _بضم الموحدة وسكون المهملة_، واسم شجرتها: الضِّرْو _بكسر المعجمة وسكون الراء_، قال العيني: البطم كثيرًا ما ينبت في البلاد الشَّمالية، وهو حبٌّ أخضر مقارب الحمص يأكلُه أهل البلاد كثيرًا، ويجعلونَه في الأقراص، ويستخرجون منه الدُّهنَ ويأكلونه.
          وقال الجوهريُّ: / هي صمغٌ شجرة يدعى الكمكام تُجلبُ من اليمن، ورائحتها طيِّبةٌ، وتستعمل في البخور، قال الحافظُ العسقلاني: وليست المراد هنا جزمًا، وقال القرطبي: تفسيرها بالشُّونيز أولى من وجهين:
          أحدهما: أنَّه قول الأكثر.
          والثَّاني: كثرة منافعها، بخلاف الخردلِ والبطم.
          ومن جملة منافعه أنَّه يجلو ويقطعُ ويحلِّل ويشفي الزُّكام إذا قُلِيَ واشتُمَّ، ويقتلُ الدُّود: إذا أكل على الرِّيق، وإذا وضع في البطنِ من خارج لطوخًا ودهنه ينفعُ من داء الحيَّة، ومن الثَّآليل والخيلان، وإذا شرب منه مثقال بماءٍ نفعَ من البهر، وضيق النَّفس، ويحدر الصَّمت المحتبس، والضِّماد به ينفعُ الصُّداع البارد، وإذا نقعَ منه سبع حبَّاتٍ بالعددِ في لبن امرأةٍ ساعة، وسعط به صاحب اليرقان نفعَه نفعًا بليغًا، وإذا طبخَ بخلٍّ وخشب الصَّنوبر نفعَ من وجع الأسنان من برد مضمضةٍ، ويدرُّ الطَّمث والبول واللَّبن، وإذا شربَ بنطرون شفي من عسر النَّفَس، وينفع من شرِّ الرتيلاء، ودخنته تطرد الهوَام، وخاصيَّته تذهب الجشأ الحامضَ الكائن من البلغم والسَّوداء، وإذا تُضمِّد به مع الخلِّ نفعَ البثور والجرب المتقرِّح، وحلل الأورام البلغميَّة المزمنة، والأورام الصَّلبة، وإذا خلط ببولٍ عتيق ووضع عن الثَّآليل المسمارية قلعها، وإذا ضمدت به السِّن أخرج الدُّود الطَّواف، وإذا نقع بخلٍّ، واستعطَ به نفع من الأوجاع المزمنة في الرَّأس، ومن اللَّقوة، وينفعُ من البَهَق والبرص طلاءً بالخلِّ، ويسقى بالماء الحار، والعسل للحصاة في المثانة والكلى، وإن عجنَ بماء الشِّيح أخرج الحيَّات من البطن، وإذا حُرق وخُلط بشمعٍ مذابٍ ودُهن سوسن وطلي على الرَّأس نفع من تناثر الشَّعر، وإذا سُحق مع دمِ الأفاعي، أو دم الخطاطيف، وطُلي به الرَّضخ غيَّره، وإذا استعط بدهنه نفع من الفالج والكزاز، وقطع البلة والبرد الَّذي يجتمعُ فيصير منه الفالج، وإذا سحق ونخل منه واستفَّ منه كلَّ يومٍ درهمين نفعَ من عضَّة الكَلْب الكَلِب، وإذا سُحق وشُرب بسَكَنْجَبين نفع من حميات الربع المتقادمة، وإذا عجُن / بسمنٍ وعسلٍ نفعَ من أوجاع النُّفساء، وينفعُ أيضًا لوجع الأرحام، وإذا نُثر على مقدم الرَّأس سخنه، ونفعَ من توالي النَّزلات، وإذا خُلطَ في الأكحال جفَّف الماء النَّازل في العين، وإذا عُجن بخلٍّ ودهنِ وردٍ نفعَ من أنواع الجرب، وإذا ضُمِّدَ به أوجاع المفاصل نفعها، ويخرج الأجنَّة أحياء وموتى والمشيمة.