الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: أن رسول الله كان ينزل بذي الحليفة

          1374- الخامس والثَّلاثون بعد المئة: عن موسى بن عُقبةَ عن نافعٍ عن ابن عمرَ: «أنَّ رسولَ الله صلعم كان ينزِلُ بذي الحُلَيفة حين يعتمِرُ، وفي حَجَّته حين حجَّ، تحت سَمُرَةٍ في موضِع المسجد الَّذي بذي الحُلَيفة، وكان إذا رجَع من غزوٍ وكان في تلك الطَّريقِ أو حجٍّ أو عمرةٍ هبَط بطنَ وادٍ(1)، فإذا ظهَر من بطنِ وادٍ أناخَ بالبَطحاءِ الَّتي على شفير(2) الوادي الشَّرقيَّة، فعرَّسَ ثَمَّ حتَّى يُصبِحَ، ليس عند المسجِد الَّذي بحجارةٍ، ولا على الأكَمَةِ(3) الَّتي كان عليها المسجِدُ، كان ثَمَّ خليجٌ(4) يصلِّي عبدُ الله عنده، في بطن كُثُبٍ(5) كان رسولُ الله صلعم ثَمَّ يصلِّي، فدحا السَّيلُ فيه بالبطحاءِ(6) حتَّى دفَنَ ذلك المكانَ الَّذي كان عبدُ الله يصلِّي فيه». /
          وأنَّ عبدَ الله بن عمرَ حدَّثَه: «أنَّ النَّبيَّ صلعم صلَّى حيثُ المسجدُ الصَّغيرُ الَّذي دونَ المسجدِ الَّذي بشرَف الرَّوحاءِ(7)»، وقد كان عبد الله يَعلمُ المكانَ الَّذي كان صلَّى فيه النَّبي صلعم، ينزِل ثَمَّ عن يمينِك حين تقومُ في المسجِد وتصلِّي، وذلك المسجِدُ على حافَّة الطَّريقِ(8) اليُمنى وأنت ذاهبٌ إلى مكَّة، بينَه وبين المسجِد الأكبرِ رميةٌ بحجَرٍ أو نحوُ ذلك.
          وأنَّ ابنَ عمرَ كان يصلِّي إلى العِرْقِ الَّذي عند مُنصرَف الرَّوحاء، وذلك العِرْقُ انتهاءُ طرفِه على حافَّة الطَّريقِ دونَ المسجد الَّذي بينه وبين المُنصرَف وأنت ذاهبٌ إلى مكَّةَ، وقد ابتُنيَ ثَمَّ مسجدٌ، فلم يكن عبدُ الله يصلِّي في ذلك المسجِد، كان يتركُه عن يساره ووراءَه ويصلِّي أمامَه إلى العِرقِ نفسِه.
          وكان عبد الله يروحُ من الرَّوحاءِ فلا يصلِّي الظُّهرَ حتَّى يأتيَ ذلك المكانَ فيصلِّي فيه الظُّهرَ، وإذا أقبل من مكَّةَ، فإن مَرَّ به قبل الصُّبح بساعةٍ أو من آخر السَّحَر، عرَّس(9) حتَّى يصلِّيَ بها الصُّبحَ.
          وأنَّ عبدَ الله حدَّثه: «أنَّ النَّبيَّ صلعم كان ينزِل تحت سَرْحةٍ ضخمةٍ دون الرُّوَيثةِ عن يمين الطَّريقِ، ووِجاهَ الطَّريقِ في مكانٍ بَطحٍ، حتى يُفضي(10) من أكَمَة دُوَينَ بَريد الرُّوَيثة بميلَين، وقد انكسر أعلاها فانثنى في جوفِها، وهي قائمةٌ على ساقٍ، وفي ساقِها كُثُبٌ كثيرةٌ». /
          وأنَّ عبدَ الله بن عمرَ حدَّثَه: «أنَّ النَّبيَّ صلعم صلَّى في طرَف تَلْعةٍ تمضي وراءَ العَرْجِ، وأنت ذاهبٌ إلى هضْبةٍ(11) عند ذلك المسجِد قَبران أو ثلاثةٌ، على القُبور رَضْمٌ من حِجارةٍ(12) عن يمين الطَّريق عند سَلَماتِ الطَّريق(13)، بين أولئك السَّلِماتِ كان عبد الله يروحُ من العَرْجِ بعد أن تميلَ الشَّمسُ بالهاجرةِ، فيصلِّي الظُّهرَ في ذلك المسجِد».
          وأنَّ عبدَ الله بن عمرَ حدَّثَه: «أنَّ رسولَ الله صلعم نزَل عند سَرَحاتٍ عن يسارِ الطَّريقِ في مسيلٍ دون هَرْشى، ذلك المسيلُ لاصِقٌ بكُراعِ هَرشى(14)، بينه وبين الطَّريق قريبٌ من غَلْوةٍ، وكان عبدُ الله يصلِّي إلى سَرحةٍ هي أقرب السَّرَحاتِ إلى الطَّريق، وهي أطولُهنَّ».
          وأنَّ عبدَ الله بن عمرَ حدَّثَه: «أنَّ النَّبيَّ صلعم كان ينزل في المسيلِ(15) الَّذي في أدنى مَرِّ الظَّهران قِبَلَ المدينةِ حين ينزِل من الصَّفراواتِ، ينزلُ في بطن ذلك المسيلِ عن يسارِ الطَّريق وأنت ذاهبٌ إلى مكَّةَ، ليس بين منزِلِ رسول الله صلعم وبين الطَّريقِ إلَّا رميةٌ بحجرٍ».
          وأنَّ عبدَ الله حدَّثه: «أنَّ النَّبيَّ صلعم كان ينزِلُ بذي طُوىً، ويبيتُ حتَّى يُصبِحَ، يصلِّي الصُّبحَ حين يقدم مكَّةَ، ومُصَلَّى رسول الله صلعم على أَكَمةٍ / غليظةٍ، ليس في المسجِد الَّذي بُنيَ ثَمَّ، ولكن أسفلَ من ذلك على أَكَمةٍ غليظةٍ».
          وأنَّ عبدَ الله حدَّثه: «أنَّ النَّبيَّ صلعم استقبَلَ فُرْضَتَي الجبلِ(16) الَّذي بينه وبين الجبلِ الطَّويل نحوَ الكعبةِ، فجعَل المسجدَ الَّذي بُنيَ ثَمَّ يسار المسجدِ بطرَف الأكَمَةِ، ومصلَّى النَّبيِّ صلعم أسفلَ منه على الأكَمَة السَّوداءَ، يدعُ من الأكَمَة عشْرة أذرعٍ أو نحوَها، ثمَّ يصلِّي مستقبلَ الفُرْضَتَين من الجبلِ الَّذي بينك وبين الكعبةِ».
          ولم يخرِّج مسلمٌ من هذا الحديث غيرَ هذين الفصلَين الآخرَين في النُّزول بذي طُوًى واستقبالِ الفُرْضَتَين، وأخرَجه البخاريُّ بطولِه. [خ¦484] [خ¦492]
          وأخرَج البخاريُّ من حديث موسى بن عُقبةَ قال: رأيت سالم بنَ عبد الله يتحرَّى أماكِنَ من الطَّريقِ فيصلِّي فيها، ويحدِّثُ أنَّ أباه كان يصلِّي فيها، «وأنَّه رأى النَّبيَّ صلعم يصلِّي في تلك الأمكِنةِ».
          قال: وحدَّثني نافعٌ عن ابن عمرَ: أنَّه كان يصلِّي في تلك الأمكِنةِ، وسألتُ سالماً فلا أعلَمُه إلَّا وافَق نافعاً في الأمكنةِ كلِّها، إلَّا أنَّهما اختلفا في مسجدٍ بشرَف الرَّوحاءِ. [خ¦483]
          وأخرج البخاريُّ طرفاً من ذلك من حديث فُليحِ بن سليمانَ عن نافعٍ قال: كان ابن عمرَ إذا أرادَ الخروجَ إلى مكَّةَ ادَّهنَ بدُهنٍ ليس له رائحةٌ طيِّبةٌ، ثمَّ يأتي مسجدَ ذي الحُلَيفة فيصلِّي، ثمَّ يركبُ، فإذا استوت به راحلَته قائمةً أحرَم، ثمَّ / قال: «هكذا رأيتُ رسولَ الله صلعم يفعَلُ». [خ¦1554]
          وأخرج أيضاً طرفاً منه بالإسنادِ من حديث أيُّوبَ عن نافعٍ قال: كان ابن عمرَ إذا دخَل أدنى الحرَمِ أمسَكَ عن التَّلبية، ثمَّ يبيتُ بذي طوًى، ثمَّ يصلِّي به، ويغتسِلُ، ويحدِّثُ «أنَّ النَّبيَّ صلعم كان يفعلُه». [خ¦1573]
          وقد أخرجَه البخاريُّ من حديث أيُّوبَ أيضاً عن نافعٍ بأتَمَّ من هذا تعليقاً، ومسلمٌ بالإسنادِ مختصراً، وهذا لفظُ حديث البخاريِّ: أنَّ ابنَ عمرَ كان إذا صلَّى الغداةَ بذي الحُلَيفة أمر براحلَتِه فرُحِلَت، ثمَّ ركِبَ حتَّى إذا استوتْ به استقبَل القِبلةَ قائماً ثمَّ يلبِّي، حتَّى إذا بلَغ الحرَمَ أمسَك، حتَّى إذا أتى ذا طوًى باتَ به، فيصلِّي بها الغداةَ، ثمَّ يغتسلُ، وزعمَ «أنَّ النَّبيَّ صلعم فعَل ذلك». [خ¦1553]
          والَّذي عند مسلمٍ من حديث أيُّوبَ عن نافعٍ: أنَّ ابنَ عمرَ كان لا يقدَم إلَّا باتَ بذي طُوى، حتَّى يصبحَ ويغتسِلَ، ثمَّ يدخلُ مكَّةَ نهاراً، «ويذكر عن النَّبيِّ صلعم أنَّه كان يفعلُه».
          وأخرجاه من حديث عُبيد الله عن نافعٍ عن ابن عمرَ: «أنَّ رسولَ الله صلعم بات بذي طُوى حتَّى أصبحَ، ثمَّ دخل مكَّةَ، وكان ابن عمرَ يفعلُه».
          وفي روايةٍ عن يحيى القطَّان عن عُبيد الله: «حتَّى صلَّى الصُّبحَ».
          قال يحيى: أو قال: «حتَّى أصبحَ». [خ¦1574]
          وذكره أبو مسعودٍ في أفراد مسلمٍ، وهو عند البخاريِّ أيضاً في أوائِل كتاب / الحجِّ عن مسدَّدٍ عن يحيى.


[1] في (ابن الصلاح): (وادي) وكتب فوقه: (كذا)، وفي نسختنا من رواية البخاري: (واد).
[2] شَفيرُ كلِّ شيء حَرفُه، كالنَّهر وغيرِه، وكذلك شفى كلِّ شيء حَرفُه، قال تعالى: {عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ}.
[3] الأكَمَة: مكان مرتفع من الأرض كالتَّلِّ، وجمعها أُكُمٌ، وجمع الجمع آكام وإكام.
[4] الخَليجُ: جانبٌ من النهر، كأنه مختلَج منه، أي: مقتطَع منه.
[5] الكَثِيب: ما اجتمع من الرَّمل وارتفع، وجمعه كثُب.
[6] وجاء السيل فيه بالبَطحاءِ: أي بحصى البَطحاءِ وترابِه، أي: دفعها إليه وبسطها فيه حتى حفي.
[7] شرَف الرَّوحاء: ما ارتفع من ذلك المكان، حكى الراوي عن ابن عمرَ أنَّه كان يصلي إلى العِرق عند منصرَف الرّوحاء، وحكى ابن فارس أن العِرق من الأرض سبَخةٌ تُنبت الطَّرْفاء، قد نقل الراوي عن ابن عمرَ [أنه] أراد هذا.
[8] حافَّةُ الطريق: جانبُه، وحافَّة الوادي: شفيرُه.
[9] عرَّس المسافر: إذا نزَل من آخر الليل لنومٍ أو لراحة.
[10] في (ابن الصلاح): (حين يفضي).
[11] الهَضَبة: الأكَمة الملساء القليلة النبات.
[12] رَضمٌ من حِجارة: أي حِجارة مجتَمِعة، وجمعها رِضام.
[13] السَّلَمات والسَّلَم: شجرٌ، الواحدة سلَمَة.
وقال بعدها في «غريب الجمع»: يقال: علا الرَّجل بسهمه علواً، إذا رمى به أقصى الغاية، فكلُّ مرماه علوُّه.ولا مدخل له هنا!.
[14] كُراعُ هَرْشى: طرفها، وهَرْشى: مكانٌ، وكُراعُ كلِّ شيءٍ: طرفُه.
[15] المَسِيل: مجرى الماء في مُنحدرٍ من الأرض.
[16] فُرضَة الجبل: ما انحدر من وَسَطه، وتُسمَّى المَشرعة من النهر فُرضة؛ لأن أرضَها انحدر عما يليه حتى أمكن منها الوصول إلى الماء.