الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: أتشهد أني رسول الله

          1266- السَّابع والعشرون: عن ابنِ شهاب: أنَّ سالمَ بن عبدِ الله أخبَره: أنَّ عبدَ الله بنَ عمرَ أخبَره: «أنَّ عمرَ بنَ الخطَّابِ انطَلق مع رسولِ الله صلعم في رهْطٍ من أصحابِه قِبَل ابنِ صيَّادٍ، حتَّى وجَده يلعَبُ مع الصِّبيانِ عند أُطُمِ(1) بني مَغالةَ، وقد قارَب ابنُ صيَّادٍ يومئذ الحُلُمَ، فلم يشعُر حتَّى ضرَب رسولُ الله صلعم ظهرَه بيدِه، ثمَّ قال رسول الله صلعم لابنِ صيَّادٍ: أتشهَدُ أنِّي رسولُ الله؟ فنظَر إليه ابنُ / صيَّادٍ فقال: أشهدُ أنَّك رسولُ الأمِّيِّينَ، فقال ابنُ صيَّادٍ لرسولِ الله صلعم: أتشهدُ أنِّي رسولُ الله؟ فرفَضَهُ رسولُ الله صلعم وقال: آمنتُ بالله وبرسُلِه. ثمَّ قال له رسولُ الله صلعم: ماذا ترَى؟ قال ابنُ صيَّادٍ: يأتيني صادقٌ وكاذبٌ، فقال له رسولُ الله صلعم: خُلِّطَ عليك الأمرُ.
          ثمَّ قال له رسول الله صلعم: إنِّي قدْ خبَأْتُ لك خَبيئاً؟ فقال ابنُ صيَّادٍ: هو الدُّخُّ(2)، فقال له رسول الله صلعم: اخْسَأْ(3)، فلن تعدوَ قدرَك(4).
          فقال عمرُ بنُ الخطَّاب: ذَرْني يا رسولَ الله؛ أضرِب عنقَه، فقال له رسولُ الله صلعم: إن يكُنه فلن تُسَلَّطَ عليه، وإن لم يكُنه فلا خيرَ لك في قتلِه».
          وقال سالمٌ: سمعت ابن عمرَ يقول: «انطَلق بعد ذلك رسولُ الله صلعم وأُبَيُّ بن كعبٍ إلى النَّخل الَّتي فيها ابنُ صيَّادٍ، حتَّى إذا دخَل رسول الله صلعم النَّخلَ طَفِقَ(5) يتَّقي بجذوع النَّخل(6) وهو يَخْتِلُ(7) أنْ يسمَع من ابن صيَّادٍ شيئاً قبل أن يراه ابنُ صيَّاد، فرآه رسول الله صلعم وهو مضطجعٌ على فراشٍ في قَطيفَةٍ له فيها زَمْزَمَةٌ(8)، فرأت أمُّ ابن صيَّادٍ رسولَ الله صلعم وهو يتَّقي بجذوع النَّخل، فقالت لابن صيَّادٍ: يا صافِ _وهو اسمُ ابن صيَّاد_ هذا محمَّدٌ، فثار ابنُ صيَّاد، / فقال رسول الله صلعم: لو ترَكَته بيَّنَ».
          قال سالم: قال عبد الله بنُ عمرَ: «فقام رسول الله صلعم في النَّاس، فأثنى على الله بما هو له أهلٌ، ثمَّ ذكر الدَّجَّالَ فقال: إنِّي لأُنذِرُكُموه، ما من نبيٍّ إلَّا قد أنذره قومَه، لقد أنذَره نوحٌ قومَه، ولكنْ أقولُ لكم فيه قولاً لم يقُله نبيٌّ لقومِه: تعلَّموا أنَّه أعورُ، وأنَّ الله تبارَك وتعالى ليسَ بأعورَ». [خ¦1354]
          زاد في كتابِ مسلمٍ: قال ابن شهابٍ: وأخبرني عمرُ بن ثابت: أنَّه أخبَره بعضُ أصحاب رسولِ الله صلعم: أنَّ رسولَ الله صلعم قال يوم حذَّر النَّاسَ الدَّجَّال: «إنَّه مكتوبٌ بين عينَيه: كافرٌ، يقرؤه من كَرِه عملَه، أو يقرؤه كلُّ مؤمنٍ، وقال: تعلَّموا أنَّه لن يرى أحدٌ منكم ربَّه حتَّى يموت».


[1] الأُطُم: بضم الألف الحِصن، وجمْعه آطام، والأُطوم في غير هذا السُّلَحْفاة، أفادنيه الإمام أبو محمد علي بن أحمد عن بعض أهل اللغة، وأنشَد: خِيطَت ظَهارَتُه بجلدِ أُطوم.
[2] الدُّخُّ: الدخان.
[3] إخسأ: أي؛ تباعد بسَخطٍ واستكراهٍ، والخاسيءُ المبعَد الصَّاغر، يقال: خسَأتُه فخسَأ وانخسَأ؛ أي: أبعدتُه فبعُد.
[4] فلن تعدُوَ قدْرَك: أي: لن تتجاوز.
[5] طفِق يفعَل كذا، وظلَّ يفعَل، وجعَل يفعَل كذا، كله بمعنى ابتدأ في ذلك الفعل وشرَع فيه.
[6] يتَّقي بجذوع النَّخل: أي؛ يستَتِر بها ويتوقَّى ممن يراه.
[7] الخَتْل: الخديعةُ في استتارٍ، وطلبُ الوُقوفِ على غرضٍ دون إظهارٍ.
[8] الزَّمْزَمة: صوت يتردَّد لا يكاد يُفهم، بفتح الزاي.