الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: ألا إن الفتنة هنا يشير إلى المشرق

          1269- الثَّلاثون: عن ابن شهابٍ عن سالمٍ عن أبيه قال: سمعتُ رسولَ الله / صلعم يقول وهو على المنبَر: «أَلَا إنَّ الفتنةَ هنا _يشيرُ إلى المشرق_ من حيثُ يطلُع قرْنُ الشَّيطان(1)». [خ¦3511]
          وفي حديث يونس: قال وهو مستقبلُ المشرقِ: «ها إنَّ الفتنةَ ههنا» ثلاثاً... وذكَره.
          وأخرَجاه من حديث اللَّيثِ بن سعدٍ عن نافع عن ابن عمرَ: أنَّه سمع النَّبيَّ صلعم وهو مستقبلُ المشرقِ يقول: «أَلَا إنَّ الفتنةَ ههنا، من حيثُ يطلُع قرنُ الشَّيطان». لم يزد. [خ¦7093]
          وأخرَجه البُخاريُّ من حديث جُويريَةَ بن أسماءَ عن نافعٍ عن ابن عمرَ قال: «قام النَّبيُّ صلعم خطيباً، فأشار نحو مَسكنِ عائشةَ فقال: ههنا الفتنةُ _ثلاثاً_ من حيثُ يطلعُ قرن الشَّيطانِ». [خ¦3104]
          وأخرَجه البخاريُّ أيضاً بلفظٍ آخرَ من حديثِ عبدِ الله بن عَونٍ عن نافعٍ عن ابن عمرَ: ذكر أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: «اللهمَّ؛ بارك لنا في شَامِنا، اللهمَّ؛ بارك لنا في يَمَنِنا.
          قالوا: وفي نَجدِنَا(2) ! قال: اللهمَّ؛ بارك لنا في شَامِنَا، اللهمَّ؛ بارك لنا في / يَمَنِنا.
          قالوا: يا رسول الله؛ وفي نَجدِنَا! فأظنُّه قال في الثَّالثةِ: هنالكَ الزَّلازلُ والفِتَنُ، ومنها يطلُعُ قرنُ الشَّيطان».
          وقد اختُلفَ على ابن عونٍ فيه، فروي عنه مسنداً، وروي عنه موقوفاً على ابن عمرَ من قوله. [خ¦1037]
          وأخرَجه البُخاريُّ مختصراً من حديث مالكٍ عن عبد الله بن دينارٍ عن ابن عمرَ قال: «رأيتُ النَّبيَّ صلعم يشيرُ إلى المشرقِ ويقول: أَلَا إنَّ الفتنةَ ههنا، من حيثُ يطلعُ قرنُ الشَّيطان». لم يزد. [خ¦3279]
          وكذلك أخرَجه من حديث سُفيانَ عن عبد الله بن دينارٍ عن ابن عمرَ قال: سمعت النَّبيَّ صلعم يقول: «الفتنةُ من ههنا. وأشار إلى المشرق». [خ¦5296]
          وأخرَجه مسلمٌ من حديث حنظلةَ بن أبي سفيانَ الجُمحيِّ عن سالمٍ عن أبيه: «أنَّ رسولَ الله صلعم قال وهو يشير نحو المشرق: إنَّ الفتنةَ ههنا _ثلاثاً_ من حيثُ يطلعُ قرْن الشَّيطان».
          ومن حديث عِكرمةَ بن عمَّارٍ عن سالمٍ عن أبيه: «خرج رسولُ الله صلعم من بيت عائشةَ فقال: رأسُ الكفرِ من ههنا، من حيثُ يطلعُ قرنُ الشَّيطان».
          ومن حديث فُضَيلِ بن غَزوانَ عن سالمٍ أنَّه قال: يا أهلَ العراق؛ ما أسألَكم عن الصَّغيرةِ وأركَبَكُم للكبيرة؟! سمعت أبي عبدَ الله بن عمرَ يقول: سمعت رسولَ الله صلعم يقول: «إنَّ الفتنةَ تجيءُ من ههنا _وأوْمَأ بيده نحوَ المشرق_ / من حيثُ يطلُع قرنا الشَّيطان». وأنتم يضرِبُ بعضُكم رِقابَ بعضٍ، وإنَّما قتل موسى الَّذي قتل من آلِ فرعونَ خطأً، فقال الله له: {وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه:40] (3).
          وليس لفُضيلِ بن غَزوانَ عن سالمٍ في «الصَّحيحِ» غيرُ هذا الحديثِ الواحد.
          ولمسلمٍ أيضاً من حديث عُبيد الله بن عمرَ عن نافعٍ عن ابن عمرَ: «أنَّ رسولَ الله صلعم قام عند بابِ حفصةَ _وقال بعضُ الرُّواة: عند باب عائشةَ_ فقال بيده نحوَ المشرق: الفتنةُ ههنا، من حيثُ قرن الشَّيطان». قالها: مرَّتَينِ أو ثلاثاً.
          أغفله أبو مسعودٍ فلم يذكره في ترجمةِ عُبيد الله عن نافعٍ فيما عندنا من كتابه.


[1] قَرْن الشَّيطان: أمَّته، وهذه اللفظة تكون لمعانٍ شتى، والقَرْن؛ الأمة، والقَرْن للشاة وغيرُها، وقرون الشَّعر الذَّوائبُ، واحدها قرن، والقِرْن: المِثل، يقال: هذا قِرْنُك أي مثلك في السِّن، والقَرْن: العَفَلة وهي لحمةٌ معترِضة في الفرْج، والقَرْن جبل صغيرٌ منفرِد، والقَرْن الدُّفعة من العَرَق، كله بإسكان الراء.
[2] النجْدُ: ما ارتفع من الأرض، ومنه سمي ذلك المكان نجْداً؛ لارتفاعه على ما يليه من الغَوْر، وقد يكون النجد في غير هذا الطَّريقُ، قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}.
[3] {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} أي: أخلصناك إخلاصاً، في قول مجاهد وسعيد بن جُبيرٍ، وأصل الفتنة عند العرب الابتلاءُ والاختبارُ والتَّجربةُ والامتحانُ، وهذه الألفاظ معناها معنى الفتنة، فإذا جاءت الفتنة مجيءَ الذَّم كان ذلك غُلُوَّا في طلب ما لا يصلح الغلوُّ في طلبه، يقال: هو مفتون بكذا؛ أي: قد أفرَط في طلبه واتِّباعه، قال: يقال: {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} يعني في الإثم ومخالفة الأمرِ الواجب.