إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلًا

          5244- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ) المروزيُّ قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ) بن المبارك المروزيُّ قال: (أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ) الأحول البصريُّ (عَنِ الشَّعْبِيِّ) عامر بن شراحيلَ (أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ) الأنصاريَّ ☻ (يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الغَيْبَةَ) عن أهله في سفرٍ أو غيره (فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا) سبق أنَّ «ليلًا» تأكيدٌ، والتَّقييد بطول الغيبةِ يفيد عدم النَّهي في قصيرها(1)، كمن يخرج(2) لحاجةٍ مثلًا نهارًا ويرجع ليلًا؛ إذ لا يتأتَّى فيه ما في طويلها إذ هو مظنَّةُ وقوع المكروهِ فيما ذكرهُ غالبًا، وفي رواية وكيع عن سفيان الثَّوريِّ، عن محاربٍ، عن جابرٍ قال: «نهى رسولُ الله صلعم أن / يطرقَ الرَّجلُ أهلهُ ليلًا(3)، يتخوَّنُهم أو يطلبُ عثراتِهم» رواه مسلم. لكن اختلف في هذه الزِّيادة هل هي مدرجةٌ؟ ومن ثمَّ اقتصر البخاريُّ على القدر المتَّفق على رفعه، وساق الباقي في التَّرجمة، وقد أخرجه بهذه الزِّيادة النَّسائيُّ من رواية أبي نُعيم، عن سفيان. ومسلم من رواية عبد الرَّحمن بن مهدي، عن سفيان به. لكنه قال في آخره: قال سفيان: لا أدري هذا في الحديث أم لا؟ والمعنى: أنَّه إذا طرقهم ليلًا، وهو وقت خلوة وانقطاع مراقبةِ النَّاس بعضهم لبعض كان ذلك سببًا لسوء ظنِّ أهله به، وكأنَّه إنَّما قصدَهم ليلًا ليجدهم على ريبةٍ حين(4) توخَّى وقتَ غرَّتهم وغفلتِهم، وعندَ أحمد والتِّرمذيِّ من طريق أخرى عن الشَّعبي، عن جابرٍ: «لا تَلِجُوا على المغيباتِ فإنَّ الشَّيطان يجري من ابن آدمَ مجرى الدَّم». وعند أبي عَوَانة في «صحيحه» من(5) حديث محاربٍ، عن جابرٍ: «أنَّ عبدَ الله بن رواحة أتى امرأته ليلًا وعندها امرأةٌ تمشِّطُها، فظنَّها رجلًا، فأشار إليها بالسَّيف، فلمَّا ذكر ذلك للنَّبيِّ صلعم نهى أن يطرق الرَّجل أهله ليلًا». وأخرج ابنُ خزيمةَ عن ابن عمر قال: «نهى رسولُ الله صلعم أن تطرقَ النِّساءُ ليلًا، فطرقَ رجلان كلاهما وجد مع امرأتهِ ما يكره». وأخرجه(6) من حديث ابن عبَّاس نحوه وقال فيه‼: «فكلاهما وجدَ مع امرأتهِ رجلًا».
          وفي الحديث فوائد لا تخفى على متأمِّلٍ، وأخرجه المؤلِّف أيضًا ومسلم وأبو داود في «الجهاد»، والنَّسائيُّ في «عِشرة النِّساء».


[1] في (ص): «قصرها».
[2] في (م): «خرج».
[3] في (م) زيادة: «لئلا».
[4] في (ب) و(س): «حتى».
[5] في (د) و(ص) و(م): «في».
[6] في (ب) و(س): «أخرج».