إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما غرت على امرأة لرسول الله كما غرت على خديجة

          5229- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَحْمَدُ(1) بْنُ أَبِي رَجَاءٍ) عبد الله الحنفيُّ(2) الهرويُّ قال: (حَدَّثَنَا النَّضْرُ) بنون مفتوحة وضاد معجمة ساكنة، ابن شُميل (عَنْ هِشَامٍ) أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (أَبِي) عروة بن الزُّبير (عَنْ عَائِشَةَ) ♦ (أَنَّهَا قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِرَسُولِ اللهِ صلعم كَمَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ لِكَثْرَةِ) أي: لأجلِ كثرة، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”بكثرة“ بالموحدة بدل اللام، أي: بسبب كثرة (ذِكْرِ رَسُولِ اللهِ صلعم إِيَّاهَا وَثَنَائِهِ عَلَيْهَا) من عطف الخاصِّ على العامِّ(3)، وكثرة الذِّكر تدلُّ على كثرةِ المحبَّة، وذلك موجبٌ للغيرةِ؛ إذ أصل غيرةِ المرأة من تخيل محبَّة زوجها لضرَّتها أكثر، وفيه: أنَّها كانت تغارُ من أمهات المؤمنين رضوان الله عليهنَّ، لكن من خديجةَ أكثر لما ذكر، وهي وإن لم تكن موجودة، وقد أمنت عائشةُ مشاركتها لها(4) فيه ╕ ، لكن ذلك يقتضي ترجيحها عنده ╕ ، فهو الَّذي هيَّج الغضبَ المثير للغيرةِ؛ بحيث قالت _ما سبق في «مناقب خديجة» [خ¦3821]_: قد(5) أبدلكَ الله خيرًا منها، فقال ╕ : «ما أبدلَنِي اللهُ خيرًا مِنها» ومع ذلك فلم يؤاخذها لقيام معذرتها بالغيرةِ‼ الَّتي جبل عليها النِّساء (وَقَدْ أُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم أَنْ يُبَشِّرَهَا) بصيغة المضارع، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”أَنْ بشِّرْها“ بصيغة الأمر (بِبَيْتٍ لَهَا فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ) بفتح القاف والصاد المهملة بعدها موحدة. وعند الطَّبرانيِّ في «الأوسط»: يعني: قصبَ اللُّؤلؤِ، وفي «الكبير»: «بيت من لؤلؤةٍ مجوَّفة»، وفي «الأوسط»: «من القصبِ المنظوم بالدُّرِّ واللُّؤلؤ والياقُوت» وهذا أيضًا من جملة أسباب الغيرةِ لأنَّ اختصاصَها بهذه البُشرى يُشعِر بمزيد محبَّته ╕ لها. وعند الإسماعيليِّ: «قالت: ما حسدتُ امرأةً / قط ما حسدْتُ خديجةَ حين بشَّرها النَّبيُّ صلعم ببيتٍ من قصبٍ».
          وفي الحديث: أنَّ الغيرةَ غير مستنكرٍ وقوعها من فاضلاتِ النِّساء فضلًا عمَّن دونهنَّ، وفيه: أفضليَّةُ خديجة. وروِّينا في «كتاب مكَّة» للفَاكِهيِّ، عن أنسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلعم كان عند أبي طالبٍ، فاستأذنه أن يتوجَّه إلى خديجةَ، فأذنَ له وبعث معه جاريةً له يقالُ لها: نبعةَ، فقال لها: انظرِي ما تقولُ له خديجة. قالت نبعة: فرأيت عجبًا، ما هو إلَّا أنْ سمعت به خديجة فخرجت إلى الباب، فأخذتْ بيده فضمَّتها(6) إلى صدرها ونحرها، ثمَّ قالت: بأبي وأمِّي، والله ما أفعلُ هذا لشيءٍ(7)، ولكنِّي أرجو أن تكون النَّبيَّ الَّذي يبعثُ، فإن تكن هو فاعرف حقِّي ومَنْزلتي، وادعُ الإله الَّذي يبعثك(8) لي. قالت: فقالَ لها: «والله لئن كنتُ أنا هو لقدْ اصطنعتِ عندِي ما لا أضيِّعهُ(9) أبدًا، وإن يكن غيري فإنَّ الإلهَ الَّذي تصنعينَ هذا لأجلهِ لا يضيِّعك أبدًا»(10).
          وهذا الحديث سبق في «باب تزويج النَّبيِّ صلعم خديجة» [خ¦3816].


[1] في (ص): «حماد».
[2] «الحنفي»: ليست في (د).
[3] في (ص): «العام على الخاص».
[4] في (د) و(ص) و(م): «له».
[5] في (د) و(م): «فقد».
[6] في (م): «فضمته».
[7] في (م) و(ص): «الشيء».
[8] في (س) و(ص) زيادة: «أن يبعثك».
[9] في (م) و(ص): «أصنعه».
[10] ذكر هذا في أخبار مكة للفاكهي بلا إسناد وفي القلب منه شيء.