إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس شيئًا

          5135- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنْ أَبِي حَازِمٍ) سلمة بن دينارٍ (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) السَّاعديِّ ☺ أنَّه (قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم فَقَالَتْ: إِنِّي وَهَبْتُ مِنْ نَفْسِي) أي: وهبتُ نفسي، فـ «مِن» زائدة، ولأبي الوقتِ: ”وهبتُ منكَ نفسِي“ وفي رواية: «لكَ نفسِي» [خ¦5126] بلام التَّمليك، استُعملت هنا في تمليك(1) المنافع، أي: وهبتُ أمر نفسِي لك (فَقَامَتْ) قيامًا (طَوِيلًا) فـ «طويلًا» نعت لمصدر محذوف، وسمِّي مصدرًا لأنَّ المصدر هو اسم الفعل، أو عدده، أو ما قام مقامَه، أو ما أضيفَ إليه، وهذا قام مقام المصدرِ فسمِّيَ باسم ما وقع موقعهُ، وقوله: «فقامَت» عطفٌ على «وَهبت» (فَقَالَ رَجُلٌ): يا رسول الله (زَوِّجْنِيهَا، إِنْ لَمْ تَكُنْ) بالفوقية (لَكَ بِهَا حَاجَةٌ. قَالَ) ╕ ، ولأبي ذرٍّ: ”فقالَ“: (هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا) إيَّاه؟ و«مِن»: زائدة في المبتدأ، والخبر متعلَّق الظَّرف، وجملة «تُصْدِقها» في موضع رفع صفة لـ «شيءٍ»، ويجوز فيه الجزمُ على جواب الاستفهام، وتصدِقها يتعدَّى لمفعولين الثَّاني محذوفٌ، أي: إيَّاه، وهو العائد من الصِّفة على الموصوف (قَالَ) الرَّجل: (مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي. فَقَالَ) النَّبيُّ صلعم له: (إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ) جواب الشَّرط، و«لا» نافيةٌ، و«إزارٌ» اسم نكرةٍ مبنيٌّ مع لا، و«لك» يتعلق بالخبر، أي: ولا إزار كائنٌ لك (فَالتَمِسْ شَيْئًا. فَقَالَ: مَا أَجِدُ شَيْئًا. فَقَالَ) ╕ : (التَمِسْ وَلَوْ) كان الملتمَس (خَاتَمًا مِنْ حَدِيدِ) فطلب (فَلَمْ يَجِدْ) ذلك (فَقَالَ) صلعم له: (أَمَعَكَ مِنَ القُرْآنِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ) معي (سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا) بالتَّكرار مرَّتين(2)، وفيما سبقَ تكرار ذلك ثلاثًا [خ¦5126] (لِسُوَرٍ سَمَّاهَا) في «فوائد تمَّام»: أنَّها تسعٌ من المفصَّل، وقيل غير ذلك ممَّا سبق ذكره (فَقَالَ / : زَوَّجْنَاكَهَا) بنون العظمة، ولأبي ذرٍّ: ”قَد زوَّجناكها“(3) (بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ).
          والمطابقة بين التَّرجمة والحديث ظاهرة.
          وفي حديث عائشة عند أبي داود والتِّرمذي، وحسَّنه وصحَّحه أبو عَوانة وابن خزيمة وابن حبَّان والحاكم مرفوعًا: «أيُّما امرأةٍ نكحتْ بغيرِ إذن وليِّها فنكاحُها باطلٌ...» الحديث.
          وفيه: «السُّلطانُ وليُّ من لا وليَّ له»(4) لكنَّه لمَّا لم يكن على شرطِ المؤلِّف استنبط الحُكم من قصَّة الواهبة، ولا يزوِّج السُّلطان إلَّا بالغةً بكفءٍ عند عدم وليِّها‼ الخاص، أو غيبةِ الأقرب مسافة القصرِ، وهل يزوِّج بالولاية العامَّة أو النيابة الشَّرعيَّة؟ وجهان حكاهما الإمامُ، وأفتى البغويُّ منهما بالأول. قال: لأنَّه لو كان بالنِّيابة لما زوَّج مولِّية الرَّجل منه، ومن فوائد الخلاف: أنَّه لو أراد القاضي نكاحَ من غاب وليها؛ إن قلنا بالولايةِ زوَّجه أحد نوَّابه أو قاضٍ آخر، أو بالنِّيابة لم يجزْ ذلك.


[1] في غير (د): «تملُّك».
[2] قوله: «بالتكرار مرتين» ليس في (د).
[3] قوله: «ولأبي ذر قد زوجناكها» ليس في (د).
[4] في (ب) و(م): «لها».