إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث ابن عباس: إني أريد التزويج ولوددت أنه تيسر

          5124- قال المؤلِّف: (وَقَالَ لِي طَلْقٌ) بفتح الطاء المهملة وسكون اللام بعدها قاف، ابنُ غَنَّام _بالمعجمة وتشديد النون_ النَّخعيُّ الكوفيُّ، أحد مشايخ المؤلِّف: (حَدَّثَنَا زَائِدَةُ) بنُ قدامةَ (عَنْ مَنْصُورٍ) هو: ابنُ المعتمرِ (عَنْ مُجَاهِدٍ) هو: ابنُ جبرٍ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) أنَّه قال في تفسير قوله تعالى: ({فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء}[البقرة:235] يَقُولُ: إِنِّي أُرِيدُ التَّزْوِيجَ، وَلَوَدِدْتُ أنَّه تَيَسَّرَ لِي امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ) بفتح الفوقية والتحتية والسين المهملة المشددة في الفرع كأصله(1)، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”يُسِّر“ بضم الياء التحتية وكسر السين مبنيًّا للمفعول.
          (وَقَالَ القَاسِمُ) بنُ محمد بنِ أبي بكرٍ الصِّدِّيق ♥ فيما وصله مالكٌ وابنُ أبي شيبة‼: (يَقُولُ) في التَّعريض: (إِنَّكِ عَلَيَّ كَرِيمَةٌ، وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ) وهذا يدلُّ على أنَّ التَّصريح بالرَّغبة فيها سائغٌ، وأنَّه لا يكون تصريحًا حتَّى يصرِّح بمتعلق الرَّغبة،كأن يقول: إنِّي في(2) نكاحكِ لراغبٌ (وَ) من التَّعريض أيضًا قوله: (إِنَّ اللهَ لَسَائِقٌ إِلَيْكِ خَيْرًا... أَوْ نَحْوَ هَذَا) من ألفاظِ التَّعريض، كإذا حلَّلت فآذنيني، ومن يجِدْ مثلكَ؟ وفي حديث مسلمٍ: أنَّ رسولَ الله صلعم قال لفاطمةَ بنتِ قيسٍ: «إذا حَلَلت فآذنِيني».
          (وَقَالَ عَطَاءٌ) هو ابنُ أبي رباحٍ، فيما(3) وصله عبدُ الرَّزَّاق عن ابن جريجٍ عنه مفرقًا: (يُعَرِّضُ) بالخطبةِ (وَلَا يَبُوحُ) أي: ولا يصرِّحُ (يَقُولُ: إِنَّ لِي حَاجَةً، وَأَبْشِرِي) بقطع الهمزة (وَأَنْتِ بِحَمْدِ اللهِ نَافِقَةٌ). والحكمةُ في ذلك أنَّه إذا صرَّح تحقَّقت رغبتهُ فيها، فربَّما تكذبُ في انقضاءِ العدَّة، ويحرمُ التَّصريح بها لمعتدَّةٍ من غيره، رجعيَّةً كانت أو بائنًا بطلاقٍ أو فسخٍ أو موتٍ، أو معتدَّةٍ عن شُبهةٍ، لمفهوم هذه الآية والإجماعِ، والرَّجعيَّة في معنى المنكوحة. والتَّصريح: ما يقطعُ بالرَّغبة في النِّكاح، كإذا انقضَت عدَّتُك نكحتك (وَتَقُولُ هِيَ) في التَّعريض: (قدْ أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، وَلَا تَعِدُ شَيْئًا) بكسر العين وتخفيف الدال المهملتين، أي: لا تعده بالعقد، وأنَّها لا تتزوَّج غيره مثلًا (وَلَا يُوَاعِدُ) أي: الرَّجل (وَلِيُّهَا) بالرفع فاعلًا (بِغَيْرِ عِلْمِهَا) كذا في الفرع، وفي «اليونينية»: ”ولا يُواعدْ“ بالجزم على النَّهي ”وليَّها“ بالنصب على المفعولية(4) (وَإِنْ وَاعَدَتْ) أي: المرأة(5) (رَجُلًا فِي عِدَّتِهَا، ثُمَّ نَكَحَهَا) تزوَّجها (بَعْدُ) أي: بعد انقضاءِ عدَّتها (لَمْ يُفَرَّقْ / بَيْنَهُمَا) لأنَّ ذلك ليس قادحًا في صحَّة النِّكاح، وإن أثِما.
          قال في «الكشاف»: فإن قلت: أيُّ فَرْق بين الكنايةِ والتَّعريض؟ قلتُ: الكنايةُ أن تذكرَ الشَّيء بغير لفظهِ الموضوع له، والتَّعريض أن تذكرَ شيئًا تدلُّ به على شيءٍ لم تذكرْه، كما يقول المحتاجُ للمحتاجِ إليه جئتك لأسلِّم عليك، ولأنظرَ إلى وجهك الكريمِ؛ ولذلك قالوا:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .                     وحسبُكَ بالتَّسليمِ مِنِّي تَقَاضِيَا
وكأنَّه إمالةُ الكلام إلى عرض(6) يدلُّ على الغرضِ، ويسمَّى التَّلويح لأنَّه يَلُوحُ منه ما يريدُه. انتهى.
          وقال بعضُ أئمَّة الشَّافعيَّة: ولا فرق _كما اقتضاهُ كلامهم؛ يعني: الفقهاء_ بين الحقيقةِ والمجاز والكنايةِ، وهي ما يدلُّ على الشَّيء بذكرِ لوازمهِ، كقولك: فلانٌ طويلُ النِّجاد للطَّويل، وكثيرُ الرَّماد للمضيافِ، ومثالها هنا للتَّصريح: أريد أن أنفق عليك نفقةَ الزَّوجات، وأتلذَّذ بك. وللتَّعريض: أريد أن أنفق عليك نفقة الزَّوجات، فكلٌّ من الثَّلاثة إن أفادَ القطعَ بالرَّغبة في النِّكاح فهو تصريحٌ، أو الاحتمالَ لها فتعريضٌ، وكونُ الكنايةِ أبلغَ من التَّصريح المقرَّر في علمِ البيان لا ينافي ذلك، فمن قال‼ هنا: الظَّاهر أنَّها كالتَّصريح لأنَّها أبلغ منه التبس عليه التَّصريح هنا بالتَّصريح ثمَّ. انتهى.
          (وَقَالَ الحَسَنُ) البصريُّ فيما وصله عبدُ بنُ حميد: ({لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا}[البقرة:235]) أي: (الزِّنَا. وَيُذْكَرُ) مبنيٌّ للمفعول (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ممَّا وصله الطَّبريُّ من طريق عطاءٍ الخراسانيِّ عنه في قوله تعالى: ({حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ}[البقرة:235]) ولأبي ذرٍّ ثبوت: ”{حَتَّىَ يَبْلُغَ}“(7) أي: (تَنْقَضِي العِدَّةُ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”انقضاءُ العدَّةِ“.


[1] «كأصله»: ليست في (ص) و(د).
[2] في (م): «لفي».
[3] في (م): «مما».
[4] من قوله: «كذا في الفرع... على المفعولية»: ليس في (د).
[5] «أي المرأة»: ليست في (د).
[6] في (م): «غرض».
[7] قوله: «ولأبي ذر ثبوت {حَتَّىَ يَبْلُغَ}»: ليس في (د).