إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن أفلح أخا أبي القعيس جاء يستأذن عليها

          5103- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمامُ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمد بنِ مسلم الزُّهريِّ (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) بن العوَّام (عَنْ عَائِشَةَ) ♦ : (أَنَّ أَفْلَحَ) بفتح الهمزة وسكون الفاء وفتح اللام بعدها حاء مهملة (أَخَا أَبِي القُعَيْسِ) بضم القاف وفتح العين المهملة وسكون التحتية بعدها سين مهملة، و«أَخَا»: نصب بدلًا من «أفلحَ»، وعلامة نصبه الألف، و«أبي»: مضافٌ إليه. و«القعيس»: مضافٌ إليه، وهذا هو المشهورُ؛ أنَّ أفلح أخو أبي القعيسِ، واسم أبي القعيسِ وائل بن أفلح الأشعريُّ كما عند الدَّارقطنيِّ (جَاءَ) حال كونه (يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا _وَهْوَ) أي: أفلح (عَمُّهَا) أي: عمُّ عائشة (مِنَ الرَّضَاعَةِ_) وكان مقتضى السِّياق أن تقول: وهو عمِّي، لكنه من باب الالتفات، وفي رواية معمرٍ عن الزُّهريِّ: «وكان أبو القعيسِ زوجَ المرأةِ التي أرضَعَت عائشة» رواه مسلم، وأفلح أخو أبي القعيسِ، فصار عمَّها من الرَّضاعةِ، وكان استئذانهُ عليها (بَعْدَ أَنْ نَزَلَ الحِجَابُ) أي: آيةُ الحجابِ أو حكمهُ، آخر سنة خمسٍ (فَأَبَيْتُ) فامتنعتُ (أَنْ آذَنَ لَهُ) بالمدِّ؛ للتردُّدِ هل هو مَحرمٌ؟وغَلَّبت التَّحريم على الإباحةِ، وزاد في رواية عراك السَّابقة في «الشَّهادات» [خ¦2644]: «فقال: أتحتجبينَ منِّي وأنا عمُّك؟» (فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلعم أَخْبَرْتُهُ(1) بِالَّذِي صَنَعْتُ، فَأَمَرَنِي) صلعم (أَنْ آذَنَ لَهُ) بالمد أيضًا. وفيه دليلٌ على أنَّ لبنَ الفحلِ يحرِّمُ، حتى تثبتَ الحرمةُ في جهة صاحبِ اللَّبنِ، كما تثبتُ في جانبِ المرضعةِ، فإنَّ النَّبيَّ صلعم أثبتَ له(2) عمومةَ الرَّضاعِ، وألحَقَها بالنَّسبِ لأنَّ سبب اللَّبن هو ماء الرَّجل والمرأة معًا فوجب أن يكون الرضاع منهما‼ ولذا أشار ابن عباس بقوله المرويِّ عند ابنِ أبي شيبةَ: «اللِّقاحُ واحدٌ». وهذا مذهب الشَّافعيِّ وأبي حنيفة وصاحبيهِ ومالك وأحمد، كجمهور الصَّحابة والتَّابعين وفقهاء الأمصارِ. وقال قوم منهم ربيعة الرَّأي وابن عُليَّة وابن بنت الشَّافعي وداود وأتباعه: الرَّضاعةُ من قبلِ الرَّجلِ لا تحرِّمُ شيئًا(3)، واحتجَّ بعضهم لذلك بأنَّ اللَّبنَ لا ينفصلُ من الرَّجلِ وإنَّما ينفصلُ من المرأةِ، فكيفَ تنتشرُ الحرمةُ إلى الرَّجلِ؟! وأُجيب بأنَّه قياسٌ في مقابل(4) النَّص، فلا يلتفتُ إليه.
          وهذا الحديث قد(5) سبق في «كتاب الشَّهادات» [خ¦2644].


[1] في (ص): «فأخبرته».
[2] «له»: ليس في (ص).
[3] «شيئًا»: ليس في (ص).
[4] في (س): «مقابلة»، وفي (ص): «تقابل».
[5] «قد»: زيادة من (م).