إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما تركت بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء

          5096- وبه قال: (حَدَّثَنَا آدَمُ) بن أبي إياسٍ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ سُلَيْمَانَ) بن طرخانَ (التَّيْمِيِّ) البصريِّ أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ) عبد الرَّحمن بن مُلٍّ (النَّهْدِيَّ) بفتح النون وسكون الهاء وكسر الدال المهملة (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ☻ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ) فالفتنةُ بهنَّ أشدُّ من الفتنةِ بغيرهنَّ، ويشهدُ لذلكَ قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء}[آل عمران:14] فجعلَ الأعيانَ التي ذكرَها شهوات، حين أوقعَ الشَّهواتِ أولًا مُبهمًا ثمَّ بيَّنها بالمذكوراتِ، فعلمَ أنَّ الأعيانَ هي عينُ الشَّهواتِ، فكأنَّه قيل: زيِّنَ حبُّ الشَّهواتِ الَّتي هي النِّساءُ، فَجُرِّدَ من النِّساءِ شيءٌ يسمَّى شهوات، وهي نفسُ الشَّهواتِ، كأنَّه قيل: هذه الأشياءُ خلقَتْ للشَّهواتِ والاستمتاعِ(1) بها لا غير، لكنَّ المقامَ يقتضِي الذَّمَّ، ولفظ الشَّهوةِ عند العارفينَ مسترذلٌ، والتَّمتُّعُ بالشَّهوةِ نصيبُ‼ البهائمِ، وبدأَ بالنِّساءِ قبلَ بقيَّةِ الأنواعِ إشارة إلى أنهنَّ الأصلُ في ذلك، وتحقيقُ كون الفتنة بهنَّ أشدَّ: أنَّ الرَّجل يحبُّ الولدَ لأجلِ المرأةِ، وكذا يحبُّ الولد الَّذي أمهُ في عصمتهِ، ويرجِّحهُ على الولدِ الذي فارقَ أمَّه بطلاقٍ أو وفاةٍ غالبًا، وقد قال مجاهدٌ في قوله تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ}[التغابن:14] قال: تحمِلُ الرَّجلَ على قطيعةِ الرَّحمِ، أو معصيةِ ربِّهِ، فلا يستطيعُ مع حبِّهِ إلَّا الطَّاعة، وقال بعضُ الحُكماء: النِّساءُ شرٌّ كلُّهنَّ، وأشرُّ ما فيهن عدمُ / الاستغناءِ عنهنَّ، ومع أنهنَّ ناقصاتُ عقلٍ ودينٍ يحملنَ الرَّجلَ على تعاطِي ما فيه نقصُ العقلِ والدِّينِ، كشغلهِ عن طلبِ أمورِ الدِّينِ، وحمله على التَّهالُكِ على طلبِ الدُّنيا، وذلك أشدُّ الفسادِ.


[1] في (ب): «للاستماع».