إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن رسول الله أعتق صفية وجعل عتقها صداقها

          5086- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) البَغْلانيُّ قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ) بن زيدٍ (عَنْ ثَابِتٍ) البُنانيِّ (وَشُعَيْبِ بْنِ الحَبْحَابِ)‼ بحاءين مهملتين مفتوحتين بينهما موحدة ساكنة وبعد الألف موحدة ثانية، البصريِّ، كلاهما (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) ☺ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم أَعْتَقَ صَفِيَّةَ) بنتَ حييٍّ (وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا) أي: أعتَقَها بشرطِ أن يتزوَّجَها، فوجب لهُ عليها قيمَتُها، وكانت معلومةً فتزوَّجها بها. وفي رواية حمادٍ، عن ثابتٍ وعبد العزيزِ، عن أنسٍ قال: وصارت صفيَّةُ لرسول الله صلعم ، ثمَّ تزوَّجها وجعلَ عِتقها صَدَاقها. فقال عبدُ العزيز لثابتٍ: يا أبا محمد، أنتَ سألتَ أنسًا ما أمهرهَا؟ قال: أمهرَها نفسهَا، فتبسَّمَ [خ¦947]. فهو ظاهرٌ جدًّا في أنَّ المجعولَ مهرًا هو نفسُ العتقِ، وقد تمسَّكَ بظاهرهِ أبو يوسف وأحمد، فقالا: إذا أعتقَ أمتهُ على أن يجعلَ عتقَهَا صَدَاقها صحَّ العقدُ والعتقُ والمهرُ على ظاهرِ الحديث، وعبارةُ المرداويِّ من الحنابلةِ في «تنقيحه»: وإذا قال لأمتِهِ _القِن، أو المدَبَّرةِ، أو المكاتبةِ، أو أمِّ ولدِهِ، أو المعلَّقِ عتقها على صفةٍ_: أعتقتُكِ وجعلتُ عتقَكِ صداقَكِ صحَّ إن كان مُتَّصلًا بحضرةِ شاهدين، ويصحُّ جعلُ صداقِ مَن بعضُها رقيقٌ عتقَ ذلك البعضِ صداقًا(1). انتهى.
          ومنهم من جعلَهُ من خصائصِهِ صلعم ، وممَّن جزمَ بذلك الماورديُّ ويحيى بن أكثَم، ونقلهُ المزنيُّ عن الشَّافعيِّ. قال: وموضعُ الخصوصيَّةِ أنَّه أعتَقَها مطلقًا، وتزوَّجَها بغير مهرٍ ولا وليٍّ ولا شهودٍ، وهذا بخلافِ غيره، وقيل: المعنى أعتقها ثمَّ تزوَّجها، فلمَّا لم يعلَمْ أنسٌ أنَّه ساقَ لها صداقًا قال: أصدَقها نفسَها، أي: لم يصدقْها شيئًا فيما أعلمُ، فلم ينفِ أصل الصَّداقِ، ولهذا قال الطَّبريُّ من الشَّافعيَّةِ، وابنُ المرابطِ من المالكيَّةِ، ومن تبعهما: إنُّه _قولُ أنسٍ_ قاله ظنًّا من قبلِ نفسِهِ، ولم يرفعْهُ، وعورضَ بما أخرجه الطَّبرانيُّ وأبو الشَّيخ من حديثِ صفيَّةَ نفسِها أنَّها قالت: «أَعتقني النَّبيُّ صلعم وجعلَ عِتقي صَدَاقي». فيردُّ على القائلِ بأنَّ أنسًا قاله من قبلِ نفسهِ.
          وهذا الحديث سبقَ في «غزوة خيبر» [خ¦4200].


[1] «صداق»: ليس في (ب)، وفي (د) و(س): «صداق».