إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض

          7447- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى) أبو موسى، العنزيُّ(1) الحافظ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ) بن عبد المجيد(2) الثَّقفيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَيُّوبُ) السَّختيانيُّ (عَنْ / مُحَمَّدٍ) هو ابن سيرين (عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ) عبد الرَّحمن (عَنْ) أبيه (أَبِي بَكْرَةَ) نُفَيعٍ _بضمِّ النُّون وفتح الفاء_ ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ) يوم النَّحر بمنًى: (الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ) استدارةً (كَهَيْئَتِهِ) مثل حالته (يَوْمَ خَلَقَ اللهُ) ╡ (السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) أي: عاد الحجُّ إلى ذي الحجَّة وبطل النَّسيء، وذلك أنَّهم كانوا يحلُّون الشَّهر الحرام ويحرِّمون مكانه شهرًا آخر حتَّى رفضوا تخصيص الأشهر الحرم، وكانوا يحرِّمون من شهور(3) العام أربعة أشهرٍ مطلقًا، وربَّما زادوا في الشُّهور فيجعلونها ثلاثة عشر أو أربعة عشر، أي: رجعت الأشهر إلى ما كانت عليه، وعاد الحجُّ إلى ذي الحجَّة، وبطل تغييراتهم، وصار الحجُّ مختصًّا بوقتٍ معيَّنٍ، واستقام حساب السَّنة، ورجع إلى الأصل الموضوع يوم خلق الله السَّموات والأرض (السَّنَةُ) العربيَّة الهلاليَّة (اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا: مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) لعظم حرمتها وحرمة الذَّنب فيها (ثَلَاثٌ) ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ: ”ثلاثةٌ“ (مُتَوَالِيَاتٌ) أي: ثلاثٌ سردٌ(4) (ذُو القَعَدَةِ وَذُو الحَجَّةِ) بفتح القاف والحاء كما في «اليونينيَّة» والمشهور فتح القاف وكسر الحاء، وحُكِي كسر القاف (وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ) القبيلة المشهورة، وأُضيف إليها؛ لأنَّهم كانوا متمسِّكين بتعظيمه (الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى) بضمِّ الجيم وفتح الدَّال‼ (وَشَعْبَانَ، أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟) استفهامٌ تقريريٌّ (قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) فيه مراعاة الأدب والتَّحرُّز عن التَّقدُّم بين يدي الله ورسوله (فَسَكَتَ) ◙ (حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ(5) بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ) ╕ : (أَلَيْسَ ذَا الحَجَّةِ؟) بنصب «ذا» خبر «ليس» أي: ليس هو اليوم ذا الحجَّة (قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟) بالتَّذكير (قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: أَلَيْسَ البَلْدَةَ؟) بالنَّصب خبر «ليس» زاد في «الحجِّ» [خ¦1741] «الحرام» بتأنيث «البلدة» وتذكير «الحرام» الذي هو صفتها، وسبق أنَّه استُشكِل وأنَّه أُجيب بأنَّه اضمحلَّ منه معنى الوصفيَّة وصار اسمًا (قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ(6) يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى) وثبت قوله «قال: فأيُّ يومٍ...» إلى آخره للكشميهنيِّ والمُستملي، وسقط لغيرهما (قَالَ) صلعم : (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ، قَالَ مُحَمَّدٌ) أي: ابن سيرين: (وَأَحْسِبُهُ) أي: أبا بكرة نُفَيعًا (قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ) جمع عِرضٍ _بكسر العين_: موضع المدح والذَّمِّ من الإنسان، أي: انتهاك دمائكم وأموالكم وأعراضكم (عَلَيْكُمْ حَرَامٌ؛ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا) زاد في «الحجِّ» [خ¦1741] «إلى يوم تلقون ربَّكم» (وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ) هذا موضع التَّرجمة (فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا) بالتَّخفيف (فَلَا تَرْجِعُوا) فلا تصيروا (بَعْدِي) بعد فراقي من موقفي هذا، أو بعد موتي (ضُلَّالًا) بضمِّ الضَّاد المعجمة وتشديد اللَّام (يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) برفع «يضرب» جملةٌ مستأنفةٌ مبيِّنةٌ لقوله: «لا ترجعوا» وهو الذي في الفرع ويجوز الجزم على تقدير شرطٍ، أي: إن(7) ترجعوا بعدي (أَلَا) بالتَّخفيف (لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ) هذا المجلس (الغَائِبَ) عنه بتشديد لام «ليبلِّغ» والذي في «اليونينيَّة» تخفيفها (فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ) بسكون الموحَّدة (أَنْ يَكُونَ أَوْعَى) أحفظ (لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ) وسقط لغير أبي ذرٍّ لفظ «له» (فَكَانَ مُحَمَّدٌ) هو ابن سيرين (إِذَا ذَكَرَهُ) أي: الحديث (قَالَ: صَدَقَ النَّبِيُّ صلعم ) فإنَّ كثيرًا من السَّامعين أوعى من شيوخهم (ثُمَّ قَالَ) صلعم : (أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟) مرَّتين، واللَّام مخفَّفةٌ، أي: بلَّغت ما فُرِض عليَّ تبليغه من الرِّسالة.
          والحديث سبق مُطوَّلًا / ومُختَصرًا في غير ما موضعٍ كـ «العلم» [خ¦105] و«الحجِّ» [خ¦1741] و«المغازي» [خ¦4406] و«الفتن» [خ¦7078].


[1] في (د): «المقبريُّ»، وهو تحريفٌ.
[2] في (د): «عبد الحميد»، ولعلَّه تحريفٌ.
[3] في (ص): «أشهر».
[4] «أي: ثلاثٌ سردٌ»: ليس في (د).
[5] في (ص) و(ع): «يسمِّيه»، وكذا في «اليونينيَّة» وفي نسخةٍ من هامش (د).
[6] في (ص): «اليوم».
[7] في (ص): «لن»، وهو تحريفٌ.