إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي}

          ░30▒ (باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ}) أي: ماء البحر ({مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي}) أي: لو كُتِبت كلمات(1) علم الله وحكمته وكان البحر مدادًا لها، والمراد بـ {الْبَحْرُ} الجنس ({لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ}) بمثل البحر ({مَدَدًا}[الكهف:109]) لنفد أيضًا، والكلمات غير نافدةٍ، و{مَدَدًا} تمييزٌ، والمراد(2) مثل المداد وهو ما يُمَدُّ به ينفد ({وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ}[لقمان:27]) أي: ولو ثبت كون الأشجار أقلامًا، وثبت البحر ممدودًا بسبعة أبحرٍ، وكان مقتضى الكلام أن يُقال: ولو أنَّ الشَّجر أقلامٌ والبحر مدادٌ، لكن أغنى عن ذكر المداد قوله: {يَمُدُّهُ} لأنَّه من قولك: مدَّ الدَّواة وأمدَّها، جعل البحر الأعظم بمنزلة الدَّواة، وجعل الأبحر السَّبعة مملوءةً مدادًا، فهي تصبُّ فيه مدادها أبدًا صبًّا حتَّى لا ينقطع، والمعنى ولو أنَّ أشجار الأرض أقلامٌ، والبحر ممدودٌ بسبعة أبحرٍ، وكُتِبت(3) بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله لما نفدت كلماته ونفدت الأقلام والمداد كقوله: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي}[الكهف:109] وأخرج عبد الرَّزَّاق في «تفسيره» من طريق أبي الجوزاء قال: لو كان كلُّ شجرةٍ في الأرض أقلامًا والبحر مدادًا لنفد الماء وتكسَّرت الأقلام قبل أن تنفد كلمات الله، وقال‼ ابن أبي حاتمٍ: حدَّثني أبي: سمعت بعض أهل العلم يقول: قول الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:49] وقوله: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ}... الآية[الكهف:109] يدلُّ على أنَّ القرآن(4) غير مخلوقٍ؛ لأنَّه لو كان مخلوقًا لكان له قَدْرٌ وكانت له غايةٌ، ولنفد كنفاد المخلوقين، وتلا قوله تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي} إلى آخر(5) الآية.
          ({إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}) أراد السَّموات والأرض وما بينهما، أي: من الأحد إلى الجمعة؛ لاعتبار الملائكة شيئًا فشيئًا، وللإعلام بالتَّأنِّي في الأمور، وأنَّ لكلِّ عملٍ يومًا؛ لأنَّ إنشاء شيءٍ بعد شيءٍ أدلُّ على عالمٍ مدبِّرٍ مريدٍ، يصرفه على اختياره، ويجريه على مشيئته ({ثُمَّ اسْتَوَى}) استولى ({عَلَى الْعَرْشِ}) أضاف الاستيلاء إلى العرش وإن كان سبحانه مستوليًا على جميع المخلوقات؛ لأنَّ العرش أعظمها(6) وأعلاها، وتفسير العرش بالسَّرير، والاستواء بالاستقرار كما يقوله المشبِّهة باطلٌ؛ لأنَّه تعالى كان قبل العرش ولا مكان، وهو الآن كما كان؛ لأنَّ التَّغيُّر من صفات الأكوان ({يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ}) أي: يلحق اللَّيل بالنَّهار والنَّهار(7) باللَّيل ({يَطْلُبُهُ حَثِيثًا}) حالٌ من {اللَّيْلَ} أي: سريعًا، والطَّالب هو اللَّيل، كأنَّه لسرعة مضيِّه يطلب النَّهار ({وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ}) أي: وخلقها ({مُسَخَّرَاتٍ}) حالٌ، أي: مُذلَّلاتٍ ({بِأَمْرِهِ}) هو / أمر تكوينٍ ({أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}) أي: هو الذي خلق الأشياء وله الأمر ({تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الأعراف:54]) كثر خيره أو دام برُّه، من البركة والنَّماء.
          ({سَخَّرَ}[النحل:14] ذَلَّلَ) باللَّام(8)، وسقط لأبي ذرٍّ من قوله «{يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ}...» إلى آخره، وقال بعد قوله: {النَّهَارَ}: ”الآية“(9).


[1] «كلمات»: ليس في (ع).
[2] في (ب) و(س): «أو المراد».
[3] في (د): «وكتب».
[4] في غير (د) و(ع): «البحر»، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[5] «إلى آخر»: ليس في (ع).
[6] في (ص): «أعمُّها».
[7] في (ب) و(ص): «أو النَّهار».
[8] «{ سَخَّرَ}: ذلَّل؛ باللَّام»: سقط من (د).
[9] قوله: «{ سَخَّرَ}: (ذَلَّلَ)... {النَّهَارَ}: الآية» سقط من (ع).