إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله: {وكلم الله موسى تكليمًا}

          ░37▒ (بابُ قَوْلِهِ) ╡: ({وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء:164]) الجمهور على رفع الجلالة الشَّريفة، و{تَكْلِيمًا} مصدرٌ رافعٌ للمجاز، قال الفرَّاء: العرب تسمِّي ما يُوصَل إلى الإنسان كلامًا بأيِّ طريقٍ وصل، ولكن لا تحقِّقه بالمصدر، فإذا حُقِّق(1) بالمصدر لم يكن إلَّا حقيقة الكلام، وقال القرطبيُّ: {تَكْلِيمًا} مصدرٌ معناه التَّأكيد، وهذا يدلُّ على بطلان قول من يقول:
          خلق الله(2) لنفسه كلامًا في شجرةٍ(3) يسمعه(4) موسى، بل هو الكلام الحقيقيُّ الذي يكون به المتكلِّم متكلِّمًا، قال النَّحَّاس: وأجمع النَّحويُّون على أنَّك إذا أكَّدت الفعل بالمصادر لم يكن مجازًا، وأنَّه لا يجوز في قول الشَّاعر:
امتلأ الحوض وقال: قَطْني
          أن يقول: وقال قولًا، وكذا لمَّا قال: {تَكْلِيمًا} وجب أن يكون كلامًا على الحقيقة‼. قال في «المصابيح» بعد أن ذكر نحو ما ذكرته: واعتُرِض هذا بقوله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا}[النمل:50] وقوله تعالى: {وَأَكِيدُ كَيْدًا}[الطارق:16] وقول الشَّاعر:
بكى الخَزُّ من رَوْحٍ وأنكر جلده                     وعجَّت عجيجًا من جذامَ المطارفُ
          فإنَّ ذلك كلَّه مجازٌ مع وجود التَّأكيد بالمصدر، ولهذا قال بعضهم: والتَّأكيد بالمصدر يرفع المجاز في الأمر العامِّ؛ يريد الغالب، قال: وكان الشَّيخ بهاء الدِّين بن عقيلٍ يقول: الجواب عن هذا البيت يؤيِّد تحقيقًا سمعناه من شيخنا علاء الدِّين القونويِّ فيقول: لا تخلو الجملة التي أُكِّد الفعل فيها بالمصدر من أن تكون صالحةً لأن(5) تُستعمَل لكلٍّ من المعنيين، يريد الحقيقة والمجاز، أو لا يصلح استعمالها إلَّا في المعنى المجازيِّ فقط، فإن كان الأوَّل كان التَّأكيد بالمصدر يرفع المجاز، وإن كان الثَّاني لم يكن التَّأكيد رافعًا له، فمثال الأوَّل قولك: ضربت زيدًا ضربًا، ومثال الثَّاني البيت المذكور؛ لأنَّ عجيج المطارف لا يقع إلَّا مجازًا. انتهى. واختُلِف في سماع كلام الله تعالى فقال الأشعريُّ: كلام الله تعالى القائم بذاته يُسمَع عند تلاوة كلِّ تالٍ وقراءة كلِّ قارئٍ، وقال الباقلانيُّ: إنَّما تسمع(6) التَّلاوة دون المتلوِّ، والقراءة دون المقروء، ولم يذكر في هذه الآية المتكلِّم به، نعم في سورة الأعراف: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي}[الأعراف:144] أي: وبتكليمي إيَّاك، ووقع في رواية أبي ذرٍّ: ”باب ما جاء في {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى (7)}“ وقال في «فتح الباري»: في رواية أبي زيدٍ المروزيِّ: ”باب ما جاء في قوله ╡: {وَكَلَّمَ اللّهُ}“[النساء:164].


[1] في (ب) و(س): «تحقَّق».
[2] اسم الجلالة: ليس في (ب).
[3] في (ص): «سحره».
[4] في (د): «ليسمعه».
[5] في (د) و(ص): «بأن» ثمَّ زيد في (ص): «تكون».
[6] في غير (ب) و(س): «يُسمَع».
[7] «{مُوسَى}»: ليس في (ص) و(ع).